شهد عالم الصناعة التكنولوجية وتحديداً مجال الذكاء الاصطناعي أواخر الشهر الماضي انقلاباً جذرياً عندما أعلنت إحدى الشركات الصينية عن إنتاج برنامج دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي تحت اسم DeepSeek مفتوح المصدر بتكلفة تدريب لا تكاد تُذكر مقارنة بعمالقة تلك الصناعة في الولايات المتحدة الأميركية وهي حوالي 6 ملايين دولار وهو رقم أقل بكثير من المليارات التي أنفقها المنافسون الأميركيون وفي مقدمتهم برنامج ChatGPT.

وقد نتج عن إعلان التقرير الفني المنشور من الشركة الصينية، والذي يشرح بالتفصيل منهجية وطرق تطوير وتدريب البرنامج خسارة شركة التكنولوجيا الأميركية العملاقة Nvidia أكثر من سدس قيمتها مع انخفاض قيمتها السوقية بجانب شركات التكنولوجيا الأخرى المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك Microsoft وGoogle. والأمر المثير للدهشة أن يأتي إنتاج DeepSeek في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بتقييد بيع تكنولوجيا الرقائق المتقدمة التي تدعم الذكاء الاصطناعي للصين. ولمواجهة ذلك الحظر، شارك مطورو الذكاء الاصطناعي الصينيون عملهم مع بعضهم البعض، الأمر الذي نتج عنه ظهور نماذج الذكاء الاصطناعي التي تتطلب طاقة حاسوبية أقل بكثير من ذي قبل، وبمعنى آخر، تكلفة أقل بكثير مما كان يُعتقد سابقاً.

ويعتبر مجال الدردشة القائم على الذكاء الاصطناعي ليس فقط أحد مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي فحسب، بل هو رأس الحربة الذي تعتمد عليه شركات التقنية العملاقة في هذا المجال لتسويق باقي استخدامات الذكاء الاصطناعي. وعلمياً، يشير الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence AI) إلى أنظمة الحاسوب القادرة على أداء المهام المعقدة التي لم يكن بإمكان الإنسان القيام بها تاريخياً، مثل التفكير أو اتخاذ القرارات أو حل المشكلات. وبمفهوم آخر، يصف مصطلح «الذكاء الاصطناعي» مجموعة واسعة من التقنيات التي تدعم العديد من الخدمات والسلع التي نستخدمها كل يوم - من التطبيقات التي توصي بالبرامج التلفزيونية إلى برامج الدردشة التي توفر دعم العملاء في الوقت الفعلي.

وبالتالي، لم يعد الذكاء الاصطناعي مفهوماً مستقبلياً، بل هو حقيقة تعمل على تحويل الصناعات وإعادة تشكيل سوق العمل بوتيرة غير مسبوقة. وفي الوقت الذي يطرح فيه الذكاء الاصطناعي فوائد هائلة من حيث الكفاءة والإنتاجية، فإنه يشكل أيضاً تهديداً كبيراً لأنواع معينة من الوظائف. وحسب التقارير الدولية المتخصصة، فقد بلغ حجم سوق الذكاء الاصطناعي العالمي 638.23 مليار دولار أميركي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 757.58 مليار دولار أميركي في عام 2025، وفي العام 2034 يتوقع الخبراء والمحللون أن يصل إلى حوالي 3,680.47 مليار دولار أميركي.

وهذا بالتحديد ما حدا بالرئيس الأميركي دونالد ترامب للإعلان في اليوم الثاني لتوليه مقاليد البيت الأبيض عن مشروع مشترك بين الولايات المتحدة الأميركية واليابان لاستثمار ما يصل إلى 500 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة. وسوف يركز المشروع على مجال البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. ويٌعتبر هذا المشروع مرحلة جديدة من مراحل الصراع الأميركي- الصيني على الريادة في الذكاء الاصطناعي والتي سٌتحدد نتائجها بصورة قوية وواضحة من سيسود العالم في كافة المجالات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، سواء العسكرية، أو الطبية، أو التجارية أو التعليمية أو غيرها من مناحي الحياة.

*باحث إماراتي