زرتُ مقر شركة «فورد موتور» في ديربورن، بولاية ميشيغن، الأسبوع الماضي لأرى كيف تتنافس هذه الشركة الأميركية لصناعة السيارات مع القوة الصينية الماحقة في مجال السيارات الكهربائية. ذلك أن قرابة نصف مبيعات السيارات الجديدة في الصين هي سيارات كهربائية تعمل بالبطاريات أو سيارات كهربائية هجينة قابلة للشحن، وشركاتها باتت تسيطر على حوالي 60٪ من السوق العالمية لهذه الطرازات. ويعزى ذلك بالأساس إلى حقيقة أن الصين تصنع أفضل بطاريات السيارات في العالم، وأي شركة أميركية لصناعة السيارات ترغب في أن تكون قادرة على المنافسة في مجال السيارات الكهربائية اليوم تحتاج إلى نقل تكنولوجيا البطاريات من الصين.

أكرر: لكي تكون قادرة على المنافسة عالمياً في سيارات المستقبل، تحتاج شركات صناعة السيارات الأميركية إلى نقل تكنولوجيا البطاريات من الصين. إننا نتحدث عن انعكاس تام عما كان عليه الحال قبل 25 عاماً، عندما كانت الصين في حاجة إلى نقل التكنولوجيا من «جنرال موتورز» و«فورد» من أجل صنع سيارات قادرة على المنافسة عالمياً. إليك القصة باختصار. لقد أصبحت صناعة السيارات اليوم عالمية تماماً.

وعلى أي شركة مثل «فورد» أن تُوازن بين رغبة عملائها في محركات الاحتراق التقليدية أو السيارات الهجينة أو السيارات الكهربائية بالكامل وزيادة قدرات القيادة الذاتية. غير أن عليها أن تفعل ذلك في عالم راهنت فيه الصين بشكل كبير على السيارات الكهربائية، وتبدو فيه سعيدة تماماً بتجاهل السوق الأميركية في الوقت الحالي، والتفوق على الشركات الأميركية في البرازيل وإندونيسيا وأوروبا وأفريقيا. ولهذا، فإذا تجاهلت بعض الشركات الأميركية قطاع السيارات الكهربائية بالكامل، فإنها ستتخلى بذلك عن بقية العالم للصين -وتجازف بالاستيقاظ ذات يوم بعد 5 سنوات لتجد معظم العالم يستخدم سيارات الصين الكهربائية- ولا يبقى لها سوى أميركا. ولتفادي مثل هذه الكارثة، استفادت «فورد»، كغيرها من شركات صناعة السيارات الأميركية، من الحوافز التي وفّرتها إدارة بايدن لإنشاء مصانع كبرى للسيارات الكهربائية والبطاريات في الولايات المتحدة.

«فورد» أوشكت الآن على الانتهاء من إنشاء «مجمع بلو أوفال للبطاريات» في مارشال، بولاية ميشيغن، على مساحة تناهز 1.8 مليون قدم مربع، ومن المقرر أن يشرع في إنتاج بطاريات فوسفات حديد الليثيوم عام 2026 للسيارات الكهربائية. المنشأة تعمل باستثمارات تناهز 2 مليار دولار، ولكن البطاريات التي ستنتجها لسياراتها الكهربائية تعتمد على تكنولوجيا فوسفات حديد الليثيوم المرخّصة من شركة «سي إيه تي إل» الصينية العملاقة للبطاريات.

ومن المتوقع أن يوفّر حوالي ألف و700 وظيفة (كان من الممكن أن يوفّر عدداً أكبر من الوظائف، إلا أن هناك تباطؤاً في مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة بسبب عدم كفاية محطات الشحن. مصنع «مارشال» كان من المقرر أن يتم إنشاؤه في المكسيك، ولكن بسبب حوافز الرئيس جو بايدن للسيارات الكهربائية، نقلته «فورد» إلى ميشيغن - وكان من المفترض أن يعمل النظام على هذا النحو: امنح شركات السيارات تحفيزات ضريبية للإنتاج والمستهلكين إلى أن تصل إلى القدرة الإنتاجية المنشودة، وتستطيع البقاء على قيد الحياة بمفردها. وهذا بالضبط ما تفعله الصين. غير أن «فورد» كانت في حاجة إلى شريك صيني بخصوص البطاريات. إذ لا يمكن لأي شركة أميركية مصنعة للبطاريات في الوقت الراهن أن تضاهي بطاريات «سي إيه تي إل»، التي تشحن بسرعة أكبر وتسافر لمسافة أبعد. وقريباً سيتم البدء في التوظيف بمصنع «بلو أوفال سيتي» الذي تبلغ تكلفته 5.6 مليار دولار ويمتد على مساحة 3600 فدان، والذي يتضمن منشأة جديدة لتصنيع السيارات الكهربائية والبطاريات ومجمعاً للموردين.

كل هذا يبدو جداً، ولكن بعد ذلك جاء ترامب وحلّ محل بايدن. وبعد فترة قصيرة من أدائه اليمين الدستورية -من دون أي تشاور مسبق مع شركة من شركات صناعة السيارات الأميركية- ألغى ترامب أمر بايدن التنفيذي لعام 2021، والذي سعى إلى ضمان أن تكون نصف السيارات الجديدة المباعة في الولايات المتحدة كهربائية بحلول 2030. كما أمر ترامب بوقف توزيع الأموال الحكومية غير المنفقة على محطات شحن السيارات من صندوق تبلغ قيمته 5 مليارات دولار، وقال إنه يفكر في إلغاء التحفيزات الضريبية للسيارات الكهربائية. هل تعلمون أيّها الأميركيين، لماذا نحن متأخرون جداً عن الصين اليوم في مجال بطاريات السيارات الكهربائية؟ لسببين اثنين. الأول هو أن الصين تخرِّج كل سنة عدداً أكبر من مهندسي الكهرباء والسيارات مقارنة بنا. والثاني أن المبتكرين الأميركيين اخترعوا تكنولوجيا بطاريات فوسفات حديد الليثيوم المتطورة، التي تستخدمها شركة «سي إيه تي إل» في صنع السيارات الكهربائية، ولكنهم أهدوها للصين. باختصار، إن الطريقة الأميركية هي: الاختراع، والتجاهل، والقفز إلى الأمام مع إدارة أميركية ثم القفز إلى الوراء مع الإدارة الأميركية التالية. 

وللتأكد من أن صانعي السيارات الكهربائية الأميركيين العظام يستطيعون زيادة قدرتهم الإنتاجية، سأستخدم الأموال المستخلصة من الرسوم الجمركية لفعل ما رفض الديمقراطيون التقدميون فعله: أي تمرير مشروع قانون لإنشاء شبكة كهرباء وطنية وشبكة لمحطات الشحن السريع، وذلك حتى لا يضطر أي شخص يشتري سيارة كهربائية إلى القلق بشأن السفر لمسافات طويلة. فهذه هي الطريقة لجعل أميركا عظيمة، وأي شيء دون ذلك هو مجرد تظاهر وادعاء!

*كاتب وصحافي أميركي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»