يشهد العالَم الإسلامي تحديات معقدة تتطلب رؤية جديدة، تعيد بناء أسس التعايش والوحدة بعيداً عن الانقسامات التي أرهقت الأمة. ويمثل مؤتمر الحوار الإسلامي، الإسلامي، الذي تحتضنه المنامة يومي 19 و20 فبراير 2025، لحظةً استثنائية لرسم خريطة طريق، تستشرف مستقبلاً أكثر انسجاماً واستقراراً، بعيداً عن النزاعات الطائفية والمذهبية.

وبرعاية من جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وبمبادرة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، يأتي هذا المؤتمر ليؤسّس لمسار جديد في الحوار بين المسلمين، قائم على التفاهم والتقارب بدلاً من الصراع والقطيعة.

انعقاد هذا المؤتمر في مملكة البحرين يحمل رمزية كبيرة، فالمملكة تقدم نموذجاً يُحتذى به في القدرة على إدارة التنوع المذهبي، حيث يتعايش أهلها في نسيج اجتماعي متماسك، رغم كل التحديات الإقليمية. واختيار البحرين كموقع لهذا الحوار يعكس إدراكاً سياسياً ناضجاً، بأن الحوار الإسلامي الإسلامي ليس ترفاً فكرياً، بل هو ضرورة استراتيجية تضمن استقرارَ المجتمعات، وتعزز مفهوم الدولة الوطنية القائمة على المواطنة المتساوية، وليس على الاصطفافات المذهبية الضيقة.

إن المستقبل لن يُبنى بالعودة إلى صراعات الماضي، بل بصياغة مشروع إسلامي مستقبلي يتجاوز الطائفية، ويضع الوحدة في قلب التوجهات الفكرية والسياسية. ما يحتاجه العالم الإسلامي اليوم ليس المزيدَ من النقاش حول الخلافات، بل آليات عملية لترسيخ قيم التعددية، والتأكيد على أن الإسلام دين يتسع للجميع، بعيداً عن منطق الإقصاء. هذا المؤتمر يمثل فرصةً لتحرير الفكر الإسلامي من التأويلات الضيقة التي أسهمت في تأجيج الفتن، ولبناء رؤية معاصرة تعيد للإسلام صورتَه الرحبة التي تقوم على قيم التسامح والانفتاح.

الشباب المسلم، الذي يمثل العمود الفقري لمستقبل الأمة، بحاجة إلى مشروع يمنحه الأمل، ويفتح أمامه أبواب الإبداع والمشاركة الفاعلة، بدلاً من تركه رهينة لخطابات التشدد والتكفير. إن مؤتمر المنامة يمكن أن يكون محطةَ انطلاق نحو تجديد الخطاب الإسلامي، ليكون خطاباً يجمع ولا يفرّق، يبني ولا يهدم.. ويؤسس لمرحلة مقبلة يكون فيها الحوار هو القاعدة لا الاستثناء. الإشكالية الحقيقية اليوم ليست في وجود الاختلافات بين المذاهب، بل في طريقة إدارتها.

إن الاستفادة من التجارب التاريخية، التي نجحت في التوفيق بين التعددية والوحدة، يجب أن تكون محوراً أساسياً في هذا المؤتمر، حتى لا يبقى الإسلام رهينة للصراعات العقائدية، بل يعود إلى جوهره كرسالة رحمة وسلام. إن الرهان اليوم هو على تجاوز ثنائية «الفرقة الناجية» و«الآخر الهالك»، واستبدالها بثقافة التعايش التي تُدرك أن الإسلام يتسع للجميع، وأن تعدد الاجتهادات لا يعني التناحر، بل هو دليل على حيوية الفكر الإسلامي.

إن كل ممكنات النجاح متوفرة اليوم، فهناك إرادة سياسية جادة تدفع نحو التفاهم والتعاون، وهناك قيادات دينية واعية بخطورة الظرفية الزمانية، ومدركة لحاجة الأمة إلى خطاب جديد يعيد جسورَ التواصل، ويضع أسساً صلبةً للوحدة الإسلامية. وإذا كان العالم الإسلامي قد عانى طويلاً من الفُرقة، فإنه تتوفر له اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الفرصُ الحقيقية لترسيخ مشروع وحدوي، تتلاقى فيه الجهود، وتتآلف فيه القلوب، لنشهد معاً مستقبلا تُبنى فيه مجتمعاتنا على أُسس السلم والتسامح والتنمية المشتركة.

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة