فيما يعكس حرصها على تعزيز العمل البيئي وتحقيق الريادة فيه، تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة بذل الجهود العملية والعلمية وإطلاق المبادرات والمشاريع البيئية انطلاقاً من موروث وثقافة أصيلة، أرسَت لها الحكومة تشريعات ونُظماً للعمل بها ونشر الوعي بأهميتها.
وقد أعلنت وزارة التغير المناخي والبيئة عن إطلاق «يوم البيئة الوطني» الثامن والعشرين، الذي يحلٌّ في الرابع من فبراير من كل عام، تحت شعار «جذورنا أساس مستقبلنا»، بهدف الإشارة إلى أسمى قيم ومبادئ الحفاظ على البيئة وصون الطبيعة في المجتمع الإماراتي، وتبنِّيها واتخاذها أساساً راسخاً للبناء عليها ورفع وعي المجتمع بها.أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في هذه المناسبة إلى أن الإمارات حريصة على الإسهام الفاعل في مسار العمل المناخي الدولي، وتعزيز المسؤولية الجماعية تجاه التحديات البيئية، وأكد سموه أن دولة الإمارات تواصل نهجها الراسخ في حماية البيئة وصيانة مواردها ودعم تنوعها.
وفي الواقع، فإن المحافظة على البيئة وحماية الموارد الطبيعية هي جزء لا يتجزأ من تراث دولة الإمارات وتقاليدها الأصيلة، إذ كان المجتمع الإماراتي ولا يزال حاضناً للبيئة والطبيعة، يتأثر بها ويؤثر فيها بما ينفعه ويضمن المحافظة على الموارد الطبيعة، وقد ابتكر هذا المجتمع قديماً عدداً من الحرف والصناعات الصديقة للبيئة، امتّدت إلى العديد من الممارسات، التي لا يزال المجتمع محافظاً على أغلبها، ويعمل على تطويرها وتحسينها، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، الممارسات في مجالي الزراعة والصيد بأدوات وأساليب صديقة للبيئة، إضافة إلى الاعتماد على النخيل كمصدر رئيسي للغذاء والمواد الخام للعديد من الصناعات التقليدية كالـ«سعفيات»، ومن أمثلة الابتكارات البيئية القديمة أيضاً بناء «البراجيل» التي تعمل كأنظمة تبريد وتهوية طبيعية بالمنازل.
وتحرص دولة الإمارات حالياً على اتخاذ جميع التدابير للبناء على هذا الإرث الغني، وتحويله إلى منظومة عمل حكومي هدفها التفاعل الإيجابي مع البيئة والاستفادة منها دون الإضرار بها، من خلال منظومة تشريعات وقوانين ومشاريع صديقة للبيئة، مع التركيز على مسألة التوعية المجتمعية التي تشمل جوانب الحياة اليومية، مثل النقل وإدارة النفايات وترشيد استهلاك المياه والطاقة والغذاء.
وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى تحقيق الإمارات السبق في حماية أشجار القرم (المانغروف)، عبر التوسع المطَّرد في زراعتها محلياً، في رؤية ترمي إلى زراعة 100 مليون شجرة بحلول عام 2030، إذ تسهم غابات القرم في حماية سواحل الدولة، وتوفر موائل طبيعية للتنوع البيولوجي للأسماك، وتعمل أيضاً كأحواض طبيعية تلتقط آلاف الأطنان من ثاني أكسيد الكربون.
وتعمل هيئة البيئة - أبوظبي، منذ تأسيسها عام 1996 على إطلاق المبادرات البحثية والعلمية في المجال البيئي، حتى أصبحت أحد أهم المؤسسات البيئية المتخصّصة في الشرق الأوسط، التي لا يقتصر تركيزها على إمارة أبوظبي، بل يمتّد نشاطها البيئي إلى المستويين الإقليمي والدولي، وقد أعلنت دولة الإمارات عام 2022 عن الإطلاق العالمي لـ«تحالف القرم من أجل المناخ» بالشراكة مع جمهورية إندونيسيا، وذلك بهدف دعم وتعزيز وتوسيع مساحات غابات القرم عالمياً، كأحد الحلول البيئية القائمة على الطبيعة، وتتولى هيئة البيئة - أبوظبي تنفيذ هذه المبادرة بالتعاون مع مجموعة من الشركاء المحليين والإقليميين والدوليين.
وتواصل دولة الإمارات كذلك ريادتها في مجال العمل البيئي دولياً، ملتزمةً بإحداث تأثير إيجابي تجاه البيئة على المستوى العالمي، وهي تتصدر العديد من المبادرات الإقليمية والدولية في هذا المجال، عبر إطلاق مشاريع بارزة في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة ومشاريع متخصّصة في مجال «الحفاظ على التنوع البيولوجي» وأخرى في مجال «الاقتصاد الدائري».
إن رؤية دولة الإمارات ارتكزت منذ نشأتها على نهج صديق للبيئة، مبني على مبادئ رصينة وثقافة أصيلة تستهدف تبني أفضل السبل لحماية البيئية والموارد الطبيعية، وترمي الدولة إلى مواصلة هذه المسيرة، وتحقيق إنجازات جديدة في هذا المجال، باعتبار ذلك هدفاً استراتيجياً يستند إلى مبادئ علمية واجتماعية وثقافية واقتصادية.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.