الشعب الفلسطيني في غزة عانى كثيراً وطويلاً من الظلم، ظلم المحتل الإسرائيلي الغاشم، وظلم ذوي القربى الأشد مضاضةً، كما كتب طرفة بن العبد في معلقته، دخل يوم السابع من أكتوبر 2023 التاريخ كيومٍ عبوسٍ على أهل غزة، أكلت آلة الحرب بعده الأخضر واليابس في كامل القطاع، خراباً وتدميراً، وقتلى بلا حساب، وجرحى بلا علاج. أسئلة مهمةٌ تلح على ذهن كل متابعٍ لما جرى ويجري في غزة، هل إخراج بعض السجناء أو الأسرى الفلسطينيين يساوي قتل خمسين ألف فلسطيني؟
هل سيصر ترامب على تهجير سكان غزة؟ وما الموقف العربي من ذلك؟ من سيحكم غزة مستقبلاً؟ هذه أسئلة يجب طرحها بصراحةٍ ووضوحٍ في هذه المرحلة، حتى لا تتكرر المأساة وتُنكأ الجراح. في ظل فرحة بعض الأهالي بخروج سجنائهم من السجون الإسرائيلية، إلا أن بعضهم كان فرحاً على استحياء ويعتذر عن فرحته لأهالي القتلى بعشرات الآلاف، وبعض السجناء تمنى لو بقي في السجن ولم يقتل خمسون ألفاً من مواطنيه، هذه مأساةٌ حقيقيةٌ وخسارة فادحةٌ، ولا يمكن تسميتها نصراً بعد خراب غزة لا مالطا، ولسان حال كثيرين من أهل غزة يقول: ما كان أغناك عن هذا وأغنانا، والناس يشاهدون اليوم استمرار عمليات تبادل السجناء أو الأسرى.
الخارجون من الأنفاق يستعرضون أمام الشاشات العالمية قوتهم وقوة تنظيمهم وقدرتهم على إدارة عملية التبادل، ولكن أحداً من أهل غزة لم ينس أنهم أمّنوا أنفسهم بالاختباء المحكم في الأنفاق وتركوا شعب غزة الفلسطيني بأسره نهباً للقتل والخراب والدمار من القوات الإسرائيلية حتى لم يبق بيت في غزة يدمّر أو تقام فيه التعازي، إن بقي منه شيءٌ. بشأن خطة ترامب لتهجير سكان غزة اجتمع الخماسي العربي في القاهرة، مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر، وأكدوا على رفض التهجير ودعم حل الدولتين الذي تدعمه الدول العربية جميعاً، وفق «مبادرة السلام العربية» التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، وأكدوا على دعم موقف مصر والأردن الرافض لذلك.
ويبقى السؤال الأكثر أهميةً اليوم هو من سيحكم غزة؟ أو من سيديرها في المرحلة المقبلة؟ الشعب الفلسطيني مجمعٌ على أن «منظمة التحرير» و«السلطة الفلسطينية» هي من يجب أن يحكم غزة، وهذا الإجماع الفلسطيني مدعومٌ بكل قوةٍ عربياً وإسلامياً ودولياً، ولكن فصيلاً واحداً حكم غزة بالحديد والنار بعد الانقلاب العسكري على السلطة يرفض هذا الإجماع، ويريد أن تظل غزة وشعبها رهناً لمغامراته غير المحسوبة التي يعيدها كل بضع سنواتٍ.
في شبح خطة التهجير يتفق طرفان على أن غزة لا يجب أن تحكمها السلطة الفلسطينية، وهما نتنياهو واليمين الإسرائيلي وبعض الفصائل التي أحرقت غزة بسياساتها المختطفة من محورٍ إقليميٍ باتت تذروه الرياح بعد تدمير غالب أذرعته، ويبدو هذا الفصيل مصراً على ألا يحكم غزة غيره، حتى وإن أشرف على تهجير آخر فلسطيني من غزة وهو يحمل «بندقية النصر»، كما زعموا!
خطة التهجير هذه ليست جديدةً ويراد بها تصفية القضية الفلسطينية، وقد وافقت عليها «جماعة الإخوان» عندما حكمت مصر بعد ما كان يعرف بـ «الربيع العربي» الأسود، وفرع الجماعة في فلسطين يريد تقويض القضية من جذورها ويرفض «منظمة التحرير» بأسرها، ويبدو أن إسرائيل لا تمانع أن يبقى هذا الفصيل العسكري حتى تتم تصفية القضية الفلسطينية على يديه.
أخيراً، فما لم تخرج «منظمة التحرير» و«السلطة الفلسطينية» بحلٍ خلاّقٍ لإرغام هذا الفصيل على ترك الشعب الفلسطيني في غزة يختار مصيره، ويكون هذا الحلّ مدعوماً بقوةٍ عربياً ودولياً، فإن ليل غزة سيطول.
*كاتب سعودي