هناك مؤشرات عديدة لما يمكن أن تشهده العلاقات الدولية من تغيرات كبيرة في العام الجديد 2025 مما سيكون له تأثيرات مهمة ستحدد طبيعة هذه العلاقات في العقد الجاري، حيث ستشمل هذه التطورات الجوانب السياسية والاقتصادية والتحالفات الاستراتيجية. وسنتناول هنا بعض التغيرات الاقتصادية المرتقبة في محاولة لاستثمارها والبناء عليها.
وتأتي العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والصين على رأس الاهتمامات باعتبارهما أكبر مكونين في العلاقات الاقتصادية الدولية. فمع قدوم الرئيس المنتخب دونالد ترامب في يناير القادم ستدخل الرسوم الجمركية العالية والمقدرة بـ60% على الواردات الأميركية من الصين التي هددت باتخاذ إجراءات مضادة، وهو ما ينطبق على ثالث أكبر مكون وهو الاتحاد الأوروبي وعلاقاته المتوترة تجارياً بالمكونين الآخرين، حيث ستكون هناك أيضاً إجراءات وإجراءات مضادة، مما يعني أن أكثر من نصف الاقتصاد العالمي سيعاني من اضطرابات ستنعكس آثارها على النصف الآخر بكل مكوناته، سيكون بعضها إيجابياً، وبعضها الآخر سلبياً، وفقاً لموقع كل دولة وهيكلة اقتصادها، ما يتطلب دراسةَ هذا التطور، ووضع برنامج لكيفية التعامل معه وتسخيره وتجنب ارتداداته السلبية.
وفي جانب آخر، يتوقع أن يساهم الرئيس ترامب في تسهيل إيجاد حل سريع للحرب الروسية الأوكرانية، كما وعد، حيث تشير تجاربه السابقة إلى أنه قادر على تنفيذ وعوده، مما يعني عودة الاستقرار، وإلغاء العقوبات المفروضة على روسيا، مما ستكون له انعكاسات كبيرة على الاقتصاد العالمي، وبالأخص على أسواق الطاقة، بعد إلغاء العقوبات على صادرات النفط والغاز من روسيا، وكذلك قطاع الأغذية والقطاع المالي، إذ توجد مؤشرات قوية في هذا الاتجاه، حيث أعفت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي تركيا من العقوبات على مدفوعات الغاز الروسية.
وبالإضافة إلى ذلك تعتزم الإدارة الأميركية الجديدة إعادة العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيرانية، والتي ارتفعت بصورة حادة من 300 ألف برميل يومياً في آخر أيام الفترة الرئاسية الأولى لترامب إلى 3 ملايين برميل يومياً في الوقت الحالي، حيث تجاهلت إدارة الرئيس بايدن مراقبة صادرات النفط الإيرانية، في وقت كان يتوقع فيه أن تعود هذه الصادرات إلى مستواها السابق المنخفض بسبب القيود التي ستفرضها الإدارة الجديدة، وذلك في حالة عدم التوصل إلى تفاهمات وفق رؤية الرئيس القادم وشروطه.
وفيما يتعلق بالجوانب التجارية وخطوط الإمدادات، فإن الإدارة القادمة عازمة على إنهاء التوترات في باب المندب والبحر الأحمر والتي أعاقت خطوط الملاحة البحرية وأضرت بقناة السويس وأدت إلى ارتفاع أسعار النقل، وبالتالي أسعار السلع، وما أعقب ذلك من تضخم طال بلدان العالَم كافة تقريباً، إذ إن حال «الحوثيين» المهدِّدين لخطوط التجارة الدولية سوف لن يكن أفضل من حال حلفائهم في عام 2025.
وهناك عوامل أخرى لا تقل أهمية، وستكون لها بعض التأثيرات، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، كاستقرار الأوضاع في سوريا ولبنان باعتبارهما موقعاً لوجستياً مهماً للنقل والمواصلات، بما في ذلك النقل الجوي بين الشرق والغرب. وذلك إضافة إلى رمادية مستقبل العلاقات المتوترة بين واشنطن وطهران، وهي علاقات مرشحة لاحتمالات كثيرة ستكون لها بالتأكيد تأثيرات مهمة على الأوضاع الاقتصادية في المنطقة، وعلى قطاع الطاقة بشكل خاص.
وتتضمن كل هذه، وغيرها من التطورات المرتقبة تفاصيل كثيرة مؤثرة لا يمكن تجاهلها، فالتطورات القادمة كبيرة ومهمة ولا يمكن فصل اقتصاد أي بلد عنها؛ فأسواق العالم أصبحت أكثر تداخلاً واندماجاً، مما يعني أنه لا يمكن ترك تداعيات هذه التغيرات للصدف والمعالجات المتأخرة، خصوصاً أنها ستطال مجالات مهمة للغاية، كقطاع النفط والغاز والتجارة، بالإضافة إلى الاستقرار والأمن الإقليميين، إذ ستتفاوت التأثيرات بين دولة وأخرى وبين منطقة اقتصادية وأخرى، حيث سيربح مِن هذه التطورات مَن تكون حساباته دقيقة ومبنية على دراسات متخصصة معدّة مسبقاً.
*خبير ومستشار اقتصادي