دونالد ترامب ليس سياسياً فرنسياً، ولكن مقاربته الخاصة في السياسة - كعامل فوضى لا يعترف بالحدود المرسومة ويفوز على نحو ما عبر كسر التابوهات - باتت في قلب الأزمة الحكومية الحالية في فرنسا.
كما أن هذه الأزمة، التي أشعلتها سياسيةٌ يمينية فرنسية تحاكَم حالياً بتهمة الفساد، قد تمثِّل أولَ اختبار في حقبة ترامب الجديدة لمعرفة ما إن كان المسار المثير للجدل الذي شقّه إلى البيت الأبيض يمكن تكراره في بلد أوروبي كبير.
الأمر لا يقتصر فقط على حقيقة أن أجندة ترامب الشعبوية تجد ما يقابلها في برنامج مارين لوبان، زعيمة حزب «التجمع الوطني» الفرنسي، التي تخطط حالياً للترشح للرئاسة للمرة الرابعة في انتخابات 2027 الفرنسية. ذلك أن كليهما معادٍ للمهاجرين، وكلاهما لا يكترث بالمؤسسات متعددة الأطراف مثل الاتحاد الأوروبي.
بل إن لوبان، التي تتزعم أكبر حزب في الغرفة السفلى للبرلمان الفرنسي، عبّرت الأسبوع الماضي عن إعجابها بنموذج ترامب القائم على تمزيق كل شيء، من خلال تصويت حزبها على إسقاط الحكومة التي تولّت السلطة لمدة ثلاثة أشهر فقط.
والواقع أنه لم تسقط أي حكومة فرنسية نتيجة تصويتٍ بحجب الثقة منذ أكثر من 60 عاماً. ويبدو أن رهان لوبان، وعلى غرار رهان ترامب في حالات عديدة، يتمثل في أن تجاهل التقاليد والأعراف - حتى وإنْ كانت النتيجة المباشرة لذلك هي الفوضى - سيوصلها في نهاية المطاف إلى الرئاسة. 
واللافت أن الاتهامات التي تعرض لها ترامب لم تبطئ تقدمه نحو البيت الأبيض، بل إنه حوّل تلك الإدانة إلى فرصة مربحة لجمع التبرعات. أما لوبان، التي لا شك أنها لاحظت كل ذلك، فإنها تُتهم مع شركائها بجمع ملايين الدولارات من أموال البرلمان الأوروبي على شكل أموال دُفعت لمساعدين لها عملوا لصالح حزبها، بدلاً من أن يؤدوا أعمالاً برلمانية، كما كان يفترض.
وفي حال صدر حكم بالإدانة في حقها، فإن ذلك قد لا يعني حكماً بالسجن على لوبان فحسب، بل قد يعني أيضاً منعها من الترشح للمناصب العامة لمدة خمس سنوات - واحتمال إنهاء حياتها السياسية.
غير أنه بدلاً من أن تعبِّر عن الندم مع تراكم الشهادات التي تدينها، يبدو أن لوبان استعارت صفحة من كتاب ترامب، إذ هاجمت المحاكمةَ باعتبارها «مسيَّسة»، وزعمت أن المدعين العامين عازمون على «موتها السياسي». وقالت إن تحويلها المفترض لأموال البرلمان الأوروبي إلى حزبها ليس هو ما يهدِّد حكمَ القانون، وإنما العقوبة «المشينة تماماً» التي سعى المدعون العامون في البرلمان الأوروبي إلى استصدارها. 
وفي السياق نفسه، حاولت لوبان قلب الطاولة على نخب المؤسسة الفرنسية ووسائل الإعلام التقليدية، وكلاهما يكرهها. فقد حذروا من أنها ستتسبب في فوضى اقتصادية وسياسية من خلال تصويتها أولاً ضد ميزانية التقشف التي جاء بها رئيس الوزراء ميشيل بارنييه، ثم إطاحتها بحكومته. وهو ما وصفته بالهراء - حتى حينما هزّ شبحُ انهيار الحكومة سوقَ الأسهم لفترة قصيرة ورفع تكاليف اقتراض الحكومة الفرنسية إلى مستوى أعلى من اليونان لأول مرة.
ومن دون صخب، أمرت لوبان حزبها - الذي سبق أن قدّم دعمه الضمني لبارنييه - بالانضمام إلى المعارضة اليسارية المتشددة في تصويتٍ بحجب الثقة يوم الأربعاء الماضي أسفر عن إسقاط الحكومة. وهو ما ترك فرنسا بلا ميزانية، ولا حكومة، ولا طريق فوري للمضي قدماً بالنسبة لإيمانويل ماكرون، الرئيس المنتهية ولايته الذي يتعين عليه الآن محاولة تنصيب حكومة جديدة لمواجهة قدرة لوبان الواضحة على إثارة البلبلة.
غير أن خطوة لوبان تبدو أشبه بمقامرة كبيرة، ذلك أن هذا الشلل قد يؤدي، من بين أمور أخرى، إلى الإبقاء على الميزانية الحالية للحكومة العام المقبل، مما سيُثقل كاهل الملايين من المواطنين الفرنسيين بفواتير ضريبية أعلى، نتيجة الإبقاء على الشرائح الحالية دون تعديلها لتأخذ بعين الاعتبار التضخم. 
بعد خسارتها الرئاسة مرتين أمام ماكرون، في 2017 و2022، عمدت لوبان إلى التخفيف من حدّة خطابها، ودعت حزبها إلى ضرورة إظهار الاحترام وضبط النفس، في محاولة واضحة لإعادة تشكيل صورتها وصورة «التجمع الوطني»، الذي أسّسه أشخاص معادون للسامية، بمن فيهم والدها، وعملاء متعاطفون مع النازية. وبتغيير شكل حزبها وتقديمه على أنه حزب من التيار الرئيسي للأحزاب التقليدية المعتدلة - وليس حزباً متطرفاً - من الواضح أنها كانت تأمل في أن تجعله مقبولاً ومستساغاً للناخبين الوسطيين.
ولكنها الآن تبنت دوراً جديداً: تحفيز الاضطراب.
حسابات لوبان الواضحة، وعلى غرار حسابات ترامب، هي أنه بدلاً من الاستياء والنفور من الفوضى التي أطلقتها، فإن أنصارها سيفرحون لأنها ألصقتها بالنخب. وغضب المؤسسة الموجه ضدها - ماكرون انتقد لوبان وغيرها من المشرّعين الذين «اختاروا الفوضى» - قد يكون هو ما تسعى إليه بالضبط. 
والواقع ألا أحد يمكنه أن يعرف على وجه اليقين ما إن كانت لوبان تعيد تشكيل صورتها بشكل مقصود طبقاً لصورة ترامب. ففي 2016 اعتبرت أن انتصاره «جعل ما كان يُقدَّم في السابق على أنه مستحيل ممكناً»، ولكنها اختارت أن تلوذ بالصمت عموماً في الآونة الأخيرة.
غير أنه من خلال ما يبدو أنها محاكاة من جانبها لخطاب ترامب وتكتيكاته، يمكن القول إن استراتيجيتها والارتدادات التي أحدثتها تتناسب إلى حد كبير مع قالب ترامب في تبنيه للتقاليد، وللممارسات المعتادة، وللاستقرار نفسه. وعلى غرار تكتيكات لوبان، يبدو هدفها أيضاً ترامبياً: النصر بأي ثمن.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن