تحول دراماتيكي تشهده حرب أوكرانيا منذ منتصف نوفمبر عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام صواريخ زوَّدتها بها في ضرب العمق الروسي، ثم حذت لندن وباريس حذوها. لم يحدث هذا التحول في يومٍ أو أيام، بل تعود بدايته الأولى إلى الربيع الماضي عندما أُنشئ تحالف «سكواد» الذي يضم أميركا واليابان واستراليا والفلبين. وفيما بدا أنه ردٌّ على ذلك التحالف، توجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بيونغ يانغ في منتصف يونيو الماضي، وأسفرت محادثاته فيها عن توقيع اتفاقية دفاعية لتطوير الشراكة الاستراتيجية بينهما. وتنص هذه الاتفاقية على المساعدة المتبادلة عند حدوث عدوان على إحدى الدولتين، وتضع من ثم الأساسَ لتحالف عسكري جديد آخر قابل للتوسع مستقبلاً في ضوء علاقات كل من طرفيْ الوثيقة مع الصين.
ولم تمض ثلاثة أشهر حتى بُدئ في تفعيل تلك الاتفاقية دون إعلانٍ رسمي، عبر إرسال جنود كوريين شماليين لدعم المجهود الحربي الروسي في منطقة كورسك، التي كانت القوات الأوكرانية قد سيطرت على جانبها الغربي في أغسطس الماضي، واحتلت نحو مائة قرية فيها.
وهكذا، أدى تحالفٌ جديد تقوده الولايات المتحدة في شرق آسيا لرفع مستوى الشراكة الروسية الكورية الشمالية إلى تحالفٍ أيضاً. فمن شأن أي تحالف عسكري جديد أن يرفع منسوب التوتر، وخاصةً حين يكون العالم في حالة تقترب من الغليان، حتى إن بدا للوهلة الأولى أنه لا توجد علاقة مباشرة بين الخطوتين، كما هو الحال بشأن تحالف «سكواد» الرباعي الذي تقوده أميركا، والاتفاقية الدفاعية بين روسيا وكوريا الشمالية.
ولا تنتهي تداعيات بناء التحالفات العسكرية عند إبرام اتفاقياتها، كما يتضح من تسلسل الأفعال وردود الأفعال منذ تأسيس تحالف «سكواد» وحتى سماح واشنطن لكييف بتوجيه ضربات صاروخية ضد مواقع في العمق الروسي.
ولهذا يبدو الفصل الجديد في مسار حرب أوكرانيا أخطر من كل ما سبقه منذ اندلاعها في شهر فبراير عام 2022. فقد استخدمت كييف صواريخ إم جي إم 140 «أتاكمز» الأميركية، و«ستورم شادو» البريطانية في ضرب مواقع روسية، وردت موسكو باستخدام الصاروخ الباليستي فرط الصوتي الجديد «أوريشنيك» (أو شجرة البندق) في ضربها مصنع الصواريخ في مدينة دنيبرو في وسط أوكرانيا. كما أعلنت تعديلَ عقيدتها النووية بما يتيح لها استخدام أسلحة ذرية في حال تعرضها لاعتداء كبير بأسلحة تقليدية أو تهديد لسيادتها. وهكذا يبدأ فصل جديد شديد الخطر في حربٍ تقترب من إكمال عامها الثالث، وفي مرحلةٍ بالغة الدقة والحساسية على صعيد العلاقات الدولية بوجه عام.
ويبدو، والحال هكذا، أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سيتولى المسؤولية وسط ظروف وأوضاع أكثر تعقيداً في شرق أوروبا. فمن شأن التحولات الدراماتيكية التي تحدث قبل أسابيع من دخوله البيت الأبيض، في يوم 20 يناير المقبل، أن تزيد التحديات في هذه المنطقة بالتحديد. وربما يواجه صعوباتٍ تفوقُ ما توقعه عندما تعهد في حملته الانتخابية بوقف حرب أوكرانيا في أسرع وقت.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية