دول الخليج العربية تسعى دائماً لدعم استقرار الدول وترفض أي محاولات لبسط الهيمنة وتوسيع النفوذ والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ومن هنا فقد رفضت على الدوام التدخلات الخارجية في البلدان العربية التي شهدت اضطرابات كبرى إبان ما كان يعرف بـ«الربيع العربي»، لعلمها بأن «استقرار الفوضى» الذي دعمته بعض الدول الإقليمية لا يعود على الدول العربية إلا بالخراب والدمار.
منذ أيامٍ عادت سوريا للمشهد السياسي والإعلامي بقوة، وذلك من خلال التقدم السريع الذي قامت به بعض الفصائل السورية من شمال البلاد فأخذت حلب ووصلت إلى حماة، وخطوط التماس ما تزال تتحرك على الأرض وتتغير. هذا المشهد المتشابك في سوريا يحتاج إلى فرزٍ وتدقيقٍ، فالسياسة تتحرك في المناطق الرمادية وليست حقاً وباطلاً ولا بياضاً وسواداً.
بدايةً، منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر مناطق العالم اضطراباً، ففيها صراعات دينية وسياسية ممتدة لقرون متطاولة من الزمن، وهي مصدر الأديان السماوية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، وفيها أمم وشعوبٌ وأعراقٌ متعددةٌ، وقامت فيها طوائف ومذاهب متنوعةٌ، وقبل أكثر من قرن كانت تحكم غالبية مناطقها الخلافة العثمانية. وقبل أكثر من سبعة عقود قامت فيها دولة إسرائيل.
وقبل ثمانية عقود قامت أول حركة للإسلام السياسي في مصر وهي «جماعة الإخوان»، وكان قيامها مؤذناً بعصرٍ جديدٍ من الشرور لا عهد للمنطقة به. وقد تفرعت عن هذه الجماعة جماعاتٌ وتنظيماتٌ وأحزابٌ نشرت الخراب والدمار حيثما حلّت، ومن آخر تلك الجماعات والتنظيمات «القاعدة» و«داعش» و«الحوثي».
وعوداً على بدءٍ، فإن استقلال سوريا ووحدة أراضيها محل إجماعٍ عربيٍ. لكن سوريا، كما يعلم الجميع، ومنذ ما كان عُرف باسم «الربيع العربي»، دخلت في حربٍ أهليةٍ طاحنةٍ أكلت الأخضر واليابس، وصارت سبباً لتدخلات دولٍ إقليميةٍ ودوليةٍ كبرى وصغرى، وتحركات الفصائل الجديدة جاءت ضمن هذا السياق وهذه المعطيات.
هذه الفصائل فيها جزءٌ من الشعب السوري، وفيها جزء من تنظيماتٍ إرهابيةٍ معروفةٍ مثل «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة»، وإن غيرت اسمها، وفيها جزء تابعٌ لدولةٍ إقليميةٍ لها مشروعٌ توسعيٌ ومدعومٌ من آخرين بالأموال الطائلة. ولا يقابل هذه الفصائل الجيش النظامي فحسب، بل قوى أخرى من الدول وغير الدول. وإحن الحروب في السنوات الماضية لم تخرج من النفوس ولم ينسها أحدٌ.
الدول الإقليمية التي لها مصالح وأتباع مسلحون داخل سوريا، يريد كلٌ منها فرضَ شروطٍ جديدةٍ على الأرض قبل استلام ترامب السلطةَ في أميركا، وهذه حقيقةٌ، وبالتالي فهذا التحرك الكبير والمؤثر ليس عفو الخاطر، بل تحركٌ منظمٌ بدقة وتمّ التخطيط له بهدوء وعلى مدى زمني ليس بالقصير، وهذه حقيقةٌ أخرى.
وأخيراً، فما أحسن ما قال شوقي:
سلامٌ من صبا بردى أرق/ ودمع لا يكفكف يا دمشق
*كاتب سعودي