تلقى قادة دول الاتحاد الأوروبي نبأ فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية قبل ساعات من وصولهم إلى العاصمة البلجيكية بروكسل لحضور قمتهم الدورية التي عُقدت يومي 7 و8 من شهر نوفمبر الجاري. فقد حدث ما لم يتمنه معظمهم، وربما تحول قلقهم من عودة ترامب للبيت الأبيض إلى جزع مما يمكن اعتباره اختباراً صعباً للعلاقات التاريخية بين دولهم والولايات المتحدة، ولمستقبل حلف شمال الأطلسي «الناتو» أيضاً. ولهذا عقد قادة الاتحاد جلسة خاصة لبحث كيفية التعامل مع سياسات يحتمل أو يتوقع أن ينتهجها الرئيس ترامب بشأن أربع قضايا جوهرية بالنسبة إلى الأوروبيين.
القضية الأولى سياسته تجاه حرب أوكرانيا، وما سيكون عليه الوضع بشأنها إذا التزم بتعهده وقفها. ولا يخشى الأوروبيون، بطبيعة الحال، انتهاء الحرب، ولكنهم يتحسبون للثمن الذي سيُدفعُ لروسيا مقابل إنهاء هذه الحرب، ويخشون أن يؤدي حصول موسكو على معظم مطالبها إلى تشجيعها على إثارة مشكلات مع بلدان أخرى في شرق أوروبا. كما يُقلقهم أن يوقف ترامب المساعدات العسكرية والمالية لأوكرانيا، أو أن يقلصها بشدة، كوسيلة للضغط على كييف لقبول تسوية قد تكون قاسية بالنسبة إليها. ولن يكون في إمكان دول الاتحاد الأوروبي في هذه الحالة أن تزيد المساعدات التي تقدمها لأوكرانيا.
والقضية الثانية التي يَخشى الأوروبيون تغيير السياسة الأميركية الحالية بشأنها هي العلاقات التجارية. ولعل أكثر ما يقلقُهم هو اتجاه ترامب المحتمل إلى توسيع الإجراءات الحمائية، وفرض رسوم جمركية جديدة على صادرات دولهم إلى الولايات المتحدة. فمن شأن مثل هذه الإجراءات أن تزيد الضغوط على الاقتصادات الأوروبية التي يواجهُ أغلبها مشاكل وأزمات تَسبب بعضها في انهيار الائتلاف الحكومي الثلاثي في ألمانيا قبل أيام، حيث تصاعد الخلاف داخله على الخطوات اللازمة لمواجهة هذه المشكلات، ومن ثم على الميزانية الجديدة، مما أدى إلى استقالة وزير المالية وخروج حزبه «الليبرالي» من الائتلاف، فصار إجراء انتخابات مبكرة أمراً ضرورياً.
أما القضية الثالثة فهي مستقبل حلف «الناتو»، فقد مارس ترامب في إدارته السابقة ضغوطاً على الدول الأوروبية لدفعها نحو زيادة إنفاقها العسكري إلى ما لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي لكل منها. ورغم أن 22 دولة زادت إنفاقَها العسكري بالفعل ووصل إلى هذا المستوى، أو اقترب منه، فالمتوقع أن يواصل ترامب الضغطَ في هذا الاتجاه، وربما يضع سقفاً زمنياً قد لا تستطيع باقي الدول الأوروبية الالتزام به. وإذا اتخذ ترامب إجراءً أو آخر ضد الدول التي لم تستطع رفع سقف إنفاقها العسكري، أو بشأن الدور الأميركي في الحلف، فسيحدثُ ارتباكٌ داخله، وربما يكون مستقبله في هذه الحالة على المحك.
وتبقى القضية الرابعة التي تؤرق قادة الدول الأوروبية، وهي تلك المتعلقة بأحزاب اليمين الأقصى أو اليمين المتطرف فيها، إذ يخشون أن تؤدي نتيجة الانتخابات الأميركية إلى زيادة شعبية هذه الأحزاب وصعود نفوذها في بعض بلدانهم.
وهكذا، يبدو أن لجزع الأوروبيين أساساً واقعياً يُعتد به، نظراً لأهمية القضايا الاقتصادية والأمنية التي يمكن أن تؤثرَ عودةُ ترامب عليها.
*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية