الأمن الاجتماعي هو استقرار المجتمع وشيوع حالة السلم العام فيه، مما يكسب أفراده الشعور بالأمان والاستقرار، وهذا الشعور لا يعتمد فقط على القوة الشرطية أو العسكرية، بل من وجهة نظري يعتمد في الأساس على شعور الفرد بالانتماء إلى المجتمع والاحترام المتبادل بين أفراده كافة، وعند هذه الزاوية تبدو الصورة واضحة أن هوية المجتمع مكوِّنٌ رئيسي من مكونات الأمن الاجتماعي كونها المنبع الأصيل للقيم التي يتفق عليها جميع أفراد المجتمع، وتساهم في بناء العلاقات الاجتماعية القوية والترابط المجتمعي.

وهنا يبرز سؤال مهم؛ هل هوية المجتمع الموحدة واقع؟ أرى أن هذا الافتراض كان واقعاً قبل التداخل الثقافي الذي أحدثه تطور وسائل النقل وشبكة الإنترنت وتغلغل شبكات التواصل الاجتماعي في حياة الأفراد، فقد أصبحت المجتمعات في كل أرجاء الأرض تقريباً متعددة الثقافات والهويات.

والسؤال الآخر هل يمكن تحقيق الأمن الاجتماعي في ظل تعدد الهويات الثقافية؟ نعم يمكن ذلك إذا كان هناك قوانين وضوابط لحماية حقوق الجميع وتعزيز مفاهيم التعايش. هكذا يمكن تحول التعدد الثقافي إلى مصدر للثراء الفكري الذي يصبح أكثر شمولاً ومرونة خاصة حين يبنى على الاحترام المتبادل. كما أن هذا التعدد الثقافي يثري الأفكار والخبرات، ويزيد من وعي أفراد المجتمع، ويحقق نسبة كبيرة من التكامل المعرفي.

في دولة الإمارات العربية المتحدة نعيش تجربة ناجحة في التعايش بين مختلف الثقافات والأديان والأعراق. فالسياسات الحكيمة والقوانين المنظمة تكفل للجميع حقوقهم، مما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي. وهكذا، يصبح التنوع عاملاً إيجابياً يثري المجتمع، ويعزز قدرته على التعايش السلمي والبناء الجماعي.

إن وجود إطار قانوني ينظم العلاقات بين الأفراد، ويحمي حقوقهم ويحدد واجباتهم، ويضمن عدم التمييز على أساس عرقي أو ديني أو ثقافي هو العمود الفقري للأمن الاجتماعي وتحقيق السلم المجتمعي. الإمارات، على سبيل المثال، تقدم نموذجاً مميزاً في هذا المجال، فقد وضعت الدولة قوانين تهدف إلى تنظيم الحياة المشتركة وضمان حقوق كل فرد بغض النظر عن خلفيته الثقافية أو الدينية.

هذا النهج يتيح لمجتمع الإمارات التمتع بالأمن والاستقرار، ويضع الدولة في مصاف الدول المتقدمة التي تحقق الأمن الاجتماعي من خلال التعددية. إن التعددية الثقافية لا تساهم فقط في دعم الأمن الاجتماعي، بل تعد مصدراً مهماً ومتدفقاً للتنمية والإبداع والابتكار، فالتعاطي الفكري والمعرفي بين كل المكونات الثقافية داخل المجتمع يثري الفكر الإبداعي، ويفتح المجال لابتكار حلول مختلفة للتحديات المختلفة التي تواجه المجتمع.

ويمكن القول إن الأمن الاجتماعي لا يتطلب وحدة الهوية بقدر ما يتطلب الاحترام المتبادل والتعاون ضمن إطار قانوني يحفظ حقوق الجميع. التعدد الثقافي قد يكون عاملاً إيجابياً يعزز الأمن الاجتماعي إذا أدير بشكل صحيح. التجربة الإماراتية في إدارة التعدد الثقافي مثال يحتذى به، فهي تقدم نموذجاً يظهر كيف يمكن أن يكون التنوع قوة إيجابية تدفع بالمجتمع نحو التقدم والازدهار، بشرط أن يرافقه نظام قانوني عادل يضمن حقوق الجميع.

* باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذ زائر بكليات التقنية العليا للطالبات، أستاذ زائر بجامعة الإمارات العربية المتحدة.