قبل الإعلان عن فوز الرئيس المنتخب ترامب، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بتعيين «يسرائيل كاتس» وزيراً للدفاع وجدعون ساغر وزيراً للخارجية، وتلك خطوة تشير إلى مسعى نتنياهو لإعادة السيطرة على مقاليد الائتلاف الحاكم مرة أخرى بعد حالة عدم الاستقرار التي شهدتها الحكومة الإسرائيلية مؤخراً نتيجة لوجود بعض التباينات في المستويين السياسي والعسكري.

وقد استهدف رئيس الوزراء الإسرائيلي الإمساك مجدداً بمكونات الائتلاف الراهن وتحصينه من أية تغييرات مستجدة قد تكون مطروحة في المدى القصير خاصة أن وزير الدفاع الجديد توجهاته معروفة وأنه كان عضواً في حزب «الليكود»، الذي يتزعمه نتنياهو، وشغل مناصب وزارية عدة منذ العام 2003 ونقل رسالة إلى المعارضة الإسرائيلية بأن الحكومة الراهنة لن تتفكك، وأن شخص رئيس الوزراء ما زال مصدر القوة الرئيسية في مواجهة ما هو مطروح من بدائل في الساحة السياسية مع تقويض تحركات ودعاوى بعض القيادات العسكرية والسياسية بضرورة إجراء بعض التغييرات الوزارية المهمة، خاصة مع استمرار المخاطر على أمن إسرائيل، وهو ما أكد عليه وزير الدفاع في أكثر من موقف، والتي كان آخرها قيادته معركة دبلوماسية ضد وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

تقوية مركز الحكومة الإسرائيلية في ظل تزايد أعداد الأغلبية إلى 68 مقعداً يُحصن الحكومة من أي تفكك أو تهديد الوزيرين بن غفير وسيموستريتش للخروج من الحكومة الراهنة مع كل تطور لا يتماشى مع نهجهما.

ويشار إلى أن جالانت قد أكد على ضرورة تمديد الخدمة العسكرية الإلزامية إلى ثلاث سنوات وتوسيع تجنيد المتدينين الحريديم، كما وافق على إصدار 7 آلاف أمر تجنيد إضافي لليهود الحريديم، مما أثار احتجاجات واسعة من المستوطنين الحريديم.ومن الواضح أن تعيين وزير الدفاع الجديد «كاتس» يتماشى مع الرؤية والمقاربة الخاصة لنتنياهو، وهو من الوزراء المقربين له وسيكون من السهل تطويع مواقفه السياسية والأمنية في الفترة الأخرى ومن ثم، فإن كاتس سيتبني أفكار نتنياهو، خاصة وأنه مؤيد للحرب والمواجهة على جبهتي غزة وجنوب لبنان.

يكشف تعيين جدعون ساغر في موقع وزير الخارجية سعى نتنياهو لاستيعاب ساغر الليكودي السابق، والذي يمتلك 4 مقاعد في الكنيست وكان مرشحاً في توقيت سابق إلى أن يخلف نتنياهو في موقع رئاسة الحكومة خاصة، وأنه من قيادات «ليكود» الكبار السابقين ومن المحتمل أن يعود للتكتل لاحقاً أو اندماج حزبه في ليكود في أقرب انتخابات قد تجرى في إسرائيل. ومعروف عن ساغر مواقفه المتشددة ودعمه للأمن القومي وسياسات الاستيطان، إذ يرفض أي تنازلات بشأن أمن إسرائيل ويؤيد استمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس، مما يعكس توجهاته اليمينية المتطرفة (اشتهر بمعارضته حل الدولتين وتأكيده بضرورة ألا تكون هناك دولة مستقلة أخرى بين نهر الأردن والبحر).

خارجياً سعى نتنياهو لنقل رسالة إلى الإدارة الأميركية بالاً تتدخل بصورة مباشرة في الداخل الإسرائيلي وتركيبة الحكومة الراهنة، خاصة أن يؤاف جالانت كان منافساً لنتنياهو في الفترة الأخيرة، وكان رجل واشنطن القوي وليحسم الخلاف حول الأولويات الأمنية والعسكرية، التي كان يتبناها جالانت وعدد من قادة الجيش بضرورة إبرام صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين واستثمار ما تحقق عسكرياً في العمل على مقاربة سياسية والتأكيد على أن القرار السياسي يتماشى مع القرار العسكري وأن الضغوطات الدولية (الفرنسية – الأميركية) في ملف الحرب في لبنان لن يقبل بها إلا بعد تحقيق كامل أهدافه الرئيسية وإنشاء منطقة عازلة في عمق الجنوب، والاستمرار في تبني الإجراءات الانفرادية والترتيبات الأمنية من جانب واحد في غزة وإيجاد واقع عسكري محدد قبل الانخراط لاحقاً في أية ترتيبات أمنية.

في المجمل سيكون لهذا التغييرات التي أقدم عليها رئيس الوزراء نتنياهو تداعيات تتعلق بتصلب موقف نتنياهو في التعامل مع صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين وغلق الباب أمام حل عاجل، خاصة أن الوزير «كاتس» سيتبنى موقف نتنياهو سياسياً وأمنياً بصرف النظر عن تأييده للخط العام بضرورة الاستمرار في الخيار العسكري وعدم الإقدام على تنفيذ صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين مع استمرار حالة الانقسام في المجتمع الإسرائيلي بصورة لافتة، بعد أن شهدت إسرائيل عدداً من التظاهرات بسبب هذه التغييرات الوزارية، ما سيزيد حالة التأزم داخلياً وسيعيد حالة التصعيد بصورة كبيرة ما بين المعسكر المؤيد والمعسكر المعارض لسياسات نتنياهو، وغلق الباب أمام تشكيل أي حكومة جديدة في إسرائيل، أو الاتجاه إلى إجراء أية انتخابات جديدة مبكرة حتى مع استمرار تكشف مزيد من التسريبات والفضائح الداخلية في الحكومة بعد صدور فضيحة جديدة للحكومة الإسرائيلية ما يوحي ولو شكليا أن نتنياهو يريد تصويب المسار والاتجاه إلى فرض القيود على أي مستجدات سلبية داخل الحكومة.

ليس من المستبعد أن تكون هذه التغييرات مقدمة لتغييرات كبرى في بعض المواقع العسكرية والتشكيلات العسكرية في الشمال ومنطقة غزةز(ورئاسة الأركان) للتأكيد على أن رئيس الوزراء ممسكاً بكل المواقف، وأنه صاحب أي تغيير، وأنه لن يسمح بتمدد دور أي قيادة سياسية أو عسكرية أو مخالفة في الموقف أو الرأي، كما أن فوز الرئيس ترامب سيؤدي إلى مزيد من مساحات الحركة أمام نتنياهو للعمل والتحرك من دون قيود، بدليل استئناف العملية العسكرية على الجنوب اللبناني، والبدء في تنفيذ مخطط إبعاد «حزب الله» عن مناطق حضوره، وليس مستبعداً أن تُقدم إسرائيل على التعجيل بإنشاء المنطقة العازلة وإتمام الحضور الإسرائيلي إلى مناطق التماس، وربما تجاوز منطقة الليطاني وفتح بنك الأهداف على مصراعيه.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية