إذا انتُخب دونالد ترامب رئيساً، في الاقتراع الرئاسي الحالي، فقد يكون أحدَ العوامل التي ساهمت في ذلك مشاعرُ الغضب من سياسات إدارة بايدن في الشرق الأوسط. فبعض العرب الأميركيين، خاصة أولئك الذين يعيشون في ولايات متأرجحة مثل ميشيغن، غاضبون من دعم الرئيس جو بايدن للحربين الإسرائيليتين في قطاع غزة ولبنان. ذلك أن ضرائبهم تموِّل الأسلحة التي ربما تقتل أقاربهم. وقد وجد استطلاع للرأي أن دعم الأميركيين العرب لكمالا هاريس أقل بـ 18 نقطة مئوية عن معدل دعمهم لبايدن في 2020.

والواقع أن العديد من الشباب يشتركون في الشعور بالإحباط من سياسة بايدن حيال الشرق الأوسط. ذلك أن بايدن يوفّر الأسلحة لحرب قتلت حتى الآن أكثر من 3 آلاف طفل في غزة تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وفقاً لمنظمة «أنقذوا الأطفال»، وأصبح شاهداً على تجويع المدنيين هناك.

ولهذا، أقول لأولئك الغاضبين من سياسات بايدن في الشرق الأوسط، الذين يفكرون في التصويت لترامب أو البقاء في المنزل يوم الاقتراع أو التصويت لمرشح ثالث، إنني أتفهمُ ذلك تماماً.. لكن لا تسمحوا لهذا الغضب بانتخاب ترامب، لأن من شأن ذلك أن يفاقم المعاناة التي تزعجكم بشكل مبرر ويمكن تفهمه. وقد يبدو الامتناع عن التصويت رد فعل نبيلاً، ولكنه تهميش للذات قد يعني المزيدَ من الأطفال الجائعين والمزيد من التشرد والمزيد من الموت.

لاحظ أن ترامب لطالما كان غير مهتم بالفلسطينيين. فإدارته هي التي نقلت مقر السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وهي التي أغلقت مكتب «منظمة التحرير الفلسطينية» في واشنطن، وهي التي عكست الموقف الأميركي الذي يعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، بل وذهب إلى حد تحاشي استخدام مصطلح «الأراضي المحتلة» حين الحديث عن الأراضي الفلسطينية. وبخصوص الحرب في غزة، قال ترامب: دعوا إسرائيل «تنهي المهمة». وقال إنه أجرى مكالمة هاتفية «لطيفة جداً» مع بنيامين نتنياهو مؤخراً، وروى أنه قال لرئيس الوزراء الإسرائيلي ناصحاً: «افعل ما عليك فعله».

ولعل واحدةً من المرات القليلة التي حدث فيها خلاف واضح بين نتنياهو وترامب لم يكن ذلك بسبب ما يفعله نتنياهو في غزة أو الضفة.. بل حدث ذلك حينما هنأ نتنياهو بايدن بفوزه في انتخابات 2020. ثم إن ترامب هو الذي فرض ما يسمى «حظر المسلمين» الذي يسعى لمنع سفر رعايا 7 دول مسلمة إلى أميركا. ولهذا أقول إنه ينبغي بالطبع تقييم عيوب هاريس، لكن تذكر أن هذه الانتخابات ليست استفتاءً على مرشح واحد، وإنما هي اختيار بين مرشحين. وبشكل عام، أخشى أن نكون قد قبلنا معايير أقل لترامب من هاريس، وهذا مثالٌ على ذلك.

والحقيقة أنني أشعر بالقلق لأن الخيارات الانتخابية غالباً ما تركز على إظهار «النقاء الأخلاقي» على اليمين وعلى اليسار على حد سواء، والذي يولي الأولوية لإظهار الغضب على حساب إنجاز الأمور وتحقيق النتائج. فعلى اليمين، انظر كيف يعرقل «جمهوريون» متشددون مجلسَ النواب من حين لآخر ويتسببون في شلله. وعلى اليسار، انظر كيف صوّت عددٌ كافٍ من الليبراليين في عام 2000 لصالح رالف نادر فرجّحوا كفة جورج دبليو بوش في الانتخابات الرئاسية على حساب آل غور. أما انتخابات 2016، فقد كانت أكثر تعقيداً من ذلك، لكن لو أن الأصوات التي حصلت عليها مرشحة «حزب الخضر» الليبرالية جيل شتاين ذهبت إلى هيلاري كلينتون، لما أصبح ترامب رئيساً. هذا التاريخ ينبغي أن يعلّمنا شيئاً عن كلفة التصويت الاحتجاجي.

فقد لا تبدو البراغماتية مُرضيةً مثل النقاء، ولكنها تحقق أشياء أكثر. ثم إنه حتى إذا كان المرء يعتقد بأنه لا يوجد فرق كبير بين هاريس وترامب بخصوص الشرق الأوسط، فعليه أن يتذكر أن هناك أشياء أكثر من ذلك بكثير على المحك.

فترامب أخفق في التعامل مع الجائحة، وحاول إلغاء برنامج «أوباما كير»، وعيّن في المحكمة العليا قضاة ألغوا السماح بالإجهاض. وفضلاً عن ذلك، خفّض ترامب الضرائبَ على الأثرياء، بينما خفّض بايدن وهاريس فقر الأطفال إلى النصف، إلى أن عرقل الجمهوريون تمديدَ البرنامج، متسببين بذلك في ارتفاع فقر الأطفال مرة أخرى. ولهذا، فإذا كنتَ تنوي عدم استخدام صوتك، فلا تتخيل نفسك على قمة جبل أخلاقي يطل على المعركة، وإنما كن مستعداً للنظر في عيون امرأة صحتها وحياتها في خطر بسبب مبادئك. وبالطبع هناك فرق بين هاريس وترامب.

«هذه ليست الانتخابات التي تريدها»، يقول جيمس زغبي، وهو أحد مؤسسي «المعهد العربي الأميركي» ورئيسه، والذي يأسف لسياسات بايدن في الشرق الأوسط ويفضّل هاريس، «ولكنها الانتخابات المتاحة الآن. فيمكنك أن تغضب كما تشاء من الديمقراطيين، ولكن لا تنسَ من هو دونالد ترامب وما يمثِّله وما سيحدث في السنوات الأربع المقبلة من رئاسته». ثم أردف قائلاً: «إن مبادئك لا يمكن أن تكون أكبر من معاناة الأشخاص الذين سيدفعون الثمن إذا أصبح ترامب رئيساً».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» *كاتب أميركي