مما لا ريب فيه أن العقل البشري المتخصص قد بلغ مستويات من الإبداع العلمي في تقنيات الحاسوب يعجز الإنسان العادي عن استيعابها، فما بالك باستخدامها أثناء الحياة اليومية. والأمر المؤكد أيضاً أن ذلك التطور العلمي الهائل يحدث بمساعدة مباشرة وجذرية من الحاسوب وتطبيقاته التي تشهد يومياً طفراتٍ ضخمةً في المجالات كافة. ويُنظر إلى «الذكاء الاصطناعي» باعتباره العمود الفقري والمرتكَز الأساس لغالبية التطورات والاختراعات في مجال تقنية المعلومات، وذلك لأنه يمثل «الجسر» بين الإنسان والآلة، وبمعنى آخر بين التفكير والسلوك البشري وتطبيقات الحاسوب المستخدمة على سبيل المثال في «الإنسان الآلي» (الروبوت) والتي تقوم على الذكاء الاصطناعي نفسه. 
وتنعكس التطورات المتتابعة والطفرات المتلاحقة كافة في مجال الذكاء الاصطناعي على قطاعات التنمية البشرية، والتي تشهد بدورها تحولاتٍ جذريةً في المجالات كافة. ومن هنا جاء منتدى صحيفة «الاتحاد» التاسع عشر تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي.. قاطرة التنمية المستدامة»، لكي يلقي الضوءَ على أبرز التطورات في مجالات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي والاستفادة منها في سياسات التنمية المستدامة المنتهَجة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
والذكاء الاصطناعي له العديدُ مِن التعريفات، منها أنه سلوك وخصائص معينة تتسم بها برامج الحاسوب لتصبح أكثر قدرةً على محاكاة القدرات الذهنية للبشر وأنماط عملهم. ومن أبرز ما تتميز به خواص تلك البرامج هو القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على مواقف لم تتم أصلاً برمجتها في الآلة التي تحتضن برنامج الحاسوب. 
وكان عالم الحاسوب الشهير «جون مكارثي» أول مَن صاغ مصطلح «الذكاء الاصطناعي» في عام 1956، وقد عرَّفه بأنه «علم وهندسة صنع الآلات الذكية». وأضحى الذكاء الاصطناعي من أكثر العلوم التقنية تقدماً والتصاقا بحياتنا اليومية، خاصة في المجال المعروف باسم «التعلم الآلي»، والذي يتكون من خوارزميات «تتعلم» عن طريق سبر الأنماط واستخلاص النتائج من البيانات الخام غير المصنّفة. وقد أصبحت آلات الذكاء الاصطناعي تستخدم بنجاح منقطع النظير في العديد من المجالات الطبية، وخاصة تشخيص الأمراض، وفي مقدمتها مرض «السرطان». كما استطاع الجيش الألماني، على سبيل المثال، تطوير تطبيقات للذكاء الاصطناعي يستطيع من خلالها التنبؤ بالأزمات والحروب. وكانت دولة الإمارات سبّاقةً على المستويين العربي والإقليمي بإعلانها استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي أواخر عام 2017، وهي استراتيجية تركز على ترسيخ اقتصاد المعرفة، كما ترمي إلى تحقيق أهداف عدّة، من ضمنها الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات، وتحليل البيانات بنسبة 100% بحلول عام 2031، والارتقاء بالأداء الحكومي، وتسريع الإنجاز، وخلق بيئات عمل مبتكرة، إضافة إلى أن تكون الإمارات الأولى عالمياً في استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاته الحيوية، علاوةً على خلق سوق جديدة واعدة في المنطقة ذات قيمة اقتصادية عالية.
ولذا جاءت أهمية موضوعات المنتدى التاسع عشر لـ«الاتحاد»، والتي ناقشت العديد من المحاور ذات الأهمية الاستراتيجية في طريق الإمارات نحو تحقيق الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي. وتضمنت هذه المحاورُ مبادرات حكومة الإمارات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والدور المأمول من هذه التطبيقات في تحسين جودة الحياة، بجانب مناقشة شفافة وعلمية للتحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي، خاصة في مسألة الحوكمة وبالتحديد في ضرورة مراعاة الذكاء الاصطناعي للأطر القانونية، وتوجيهه ليكون قوة دافعة للتنمية والازدهار.
ولعلّ أبرز ما لفت انتباهي في مناقشات المنتدى هو تساؤلين هامين، أولهما حول أولوية تصميم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، أي هل من المفترض أن تركز المؤسسات التي تتبنى تلك التطبيقات على الأخلاق والعدالة في الخدمات أم على تحقيق الأرباح؟ والثاني حول ماهية مستقبل سوق العمل والقوى العاملة فيه، كماً وكيفاً، في ظل تنامي هيمنة تطبيقات الذكاء الاصطناعي على عشرات الوظائف يومياً والتي كان يشغلها البشر في الماضي؟ 

*باحث إماراتي