تتنافس تطبيقات ونماذج الذكاء الاصطناعي على تطوير نظم شبيهة أو قريبة من العقول البشرية قادرة على التفكير المنطقي وحل المشكلات المعقدة، وذلك في إطار سعي المطورين إلى صدارة السوق العالمي، الذي أضحى مزدحماً بالمنافسين، وسط ثورة معلوماتية تنتج تطبيقات مذهلة في مساعدة الإنسان في كثير من أنشطته اليومية.
وفي سياق السباق، أطلقت شركة «أوبن إيه آي» الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي والمطورة لـ«شات جي بي تي» نموذجاً جديداً للذكاء الاصطناعي التوليدي باسم «أو 1» (Strawberry)، وهو نموذج مُدرب على نماذج الاستدلال للإجابة عن أسئلة أكثر تعقيداً من النماذج السابقة، مثل أداء بعض المهام المنطقية الشبيهة بما يقوم به الإنسان، إذ سيفكر «أو 1» لبضع ثوانٍ قبل الاستجابة لمطالب المستخدم، ثم يخلص إلى أفضل إجابة، فيما يعرف بتقنية «سلسلة الأفكار»، ويمكن للنموذج تحسين عملية التفكير من خلال التدريب وتجربة استراتيجيات مختلفة، والتعرف على الأخطاء.
ويستطيع نموذج «أو 1» كتابة التعليمات البرمجية وحل المشكلات بشكل أفضل، مقارنة بالنماذج السابقة، ومهاراته متعددة اللغات، لكن أمامه تحدي التكلفة، حيث يكلف النموذج 15 دولاراً لكل مليون رمز إدخال، أو أجزاء من النص تُحلل بواسطة النموذج، و60 دولاراً لكل مليون رمز إخراج، في حين أن «شات جي بي تي 4 أو» يكلف 5 دولارات لكل مليون رمز إدخال و15 دولاراً لكل مليون رمز إخراج.
ويعني التطور الهائل أن التكنولوجيا تحسن من قدراتنا في إجراء التفكير خطوة بخطوة «التفكير المنطقي»، إذ نجح النموذج الجديد في الإجابة عن أسئلة البحث العلمي، وفي امتحان تأهيلي للأولمبياد الدولي للرياضيات «آي إم أو» أجاب بدقة بنسبة 83%، مقارنة بـ13% «شات جي بي تي-4 أو»، كما نجح في حل لغز الكلمات المتقاطعة، وهو الأفضل في نماذج الذكاء الاصطناعي في حل المسائل الرياضية أو إنتاج التعليمات البرمجية، لأنه تدرب على نماذج رياضية تحاكي عمل الدماغ البشري تُمكّن من التعرف على الأنماط المعقدة في البيانات والتنبؤ بالنتائج.
ويفتح التفكير المنطقي في النموذج الجديد لشركة «أوبن إيه آي» الطريق أمام استخدامات جديدة للذكاء الاصطناعي في مجالات تتطلب دقة كبيرة، كالتحديات الطبية أو الرياضية أو العلمية، لأنه يستطيع الوصول إلى نتائج صحيحة في معظم الأوقات، لكن الخطر يتزايد مع احتمال إساءة استخدامها، خاصة في الجوانب العسكرية، وتطوير الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، وبرغم ذلك، فإن النموذج الجديد يصنف على أنه «خطر متوسط» فيما يخصّ الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، وهو أعلى مستوى مخاطر أقرت به شركة «أوبن إيه آي» على الإطلاق لنماذج الذكاء الاصطناعي.
وعلى الرغم من التقدم في نموذج «أو 1»، فهناك العديد من التحديات يمكن استيعاب المستخدمين لها بالتجربة والوقت، تتعلق بفهم كيفية وصول النموذج إلى النتائج، ومدى التحيزات في البيانات التي درب عليها، وإمكانية استخدام النموذج في توليد معلومات مضلّلة، أو نشر الكراهية، أو أهداف مدمرة مثل الحروب والصراعات والتوترات الأمنية.
ولا يزال التفكير في نماذج الذكاء الاصطناعي لا يُقارَن بالتفكير البشري، لكنه يقترب للغاية، ونموذج «أو 1» خطوة في مسار تطوير ذكاء اصطناعي قادر على التفكير والتعلم بشكل مستقل، ومع ذلك، على الدول وضع قواعد وتشريعات لاستخدام الذكاء الاصطناعي، مع دراسة المجتمع الدولي وضعَ آليات تتناسب مع التقدم الكبير في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، حتى لا نصبح فريسة لاستخدامات تكنولوجية في الجريمة والإرهاب والأعمال غير المشروعة.
باحث، مدير إدارة التدريب والتطوير- مركز تريندز للبحوث والاستشارات