تقول دراسة اجتماعية هندية إنه بين عامي 1991 و2010 لاقت 1700 امرأة هندية حتفهن قتلاً بعد اتهامهن بممارسة السحر. والذي يصدر الحكم بالقتل هو مجلس الحكماء ويُعرف باسم «بيج»، وهو مجلس يتألف من الرجال فقط. إذا ساء المحصول الزراعي لأي سبب (جفاف أو فيضان)، أو إذا مرض أي إنسان لسبب غير معروف في الريف الهندي، فإن التهمة بوقوع الكارثة توجَّه إلى المرأة. وغالباً ما تكون هذه المرأة غير متزوجة، أو أرملة، أو عجوزاً طاعنة في السنّ. أما الضحية التي كان يجري رجمها، فقد اتُهمت بأنها توجه العين الحاسدة إلى شخص فترديه مريضاً، ونادراً ما يُشفى من المرض.
أما عقابها فهو التعذيب حتى الموت، أو إحراقها بالنار. أما صاحبة الحظ فكان عقابها يقتصر على طردها من القرية وإجبارها على قضاء بقية حياتها مذمومة مدحورة، لا يكلّمها أحد، ولا يجرؤ أحد على لمسها، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. لم يكن بالإمكان الاستعانة برجال الأمن لإنقاذ المتهمات بالسحر من هذا العقاب الرهيب. ذلك أن رجال الأمن أنفسهم يشاركون مواطنيهم الاعتقاد بصحة هذا التقليد المتوارث والذي يشكل قاعدة ثابتة من القواعد الاجتماعية في الريف الهندي.
في عام 2011 بدأت الهند تنفض غبار هذه التقاليد عن نفسها، إذ صدر قانون في ولاية آسام (شرق البلاد) وضع حداً لهذا التقليد القروي. وكانت بطلة هذا القانون متهمة سابقة بالسحر اسمها «رابحة»، سبق أن نجت من الموت وخرجت من العزلة لتقود حملةً اجتماعية اعتراضية. انطلقت حركتها التي غيّرت الريف الهندي من حادثة وقعت في إحدى قرى ولاية آسام. فقد تجمّعت عصبةٌ من الرجال لرجم امرأة عجوز متهمة بالسحر. كانت المرأة تصرخ من شدة الألم في كل مرة كان يصيبها حجر.
وكانت «رابحة» تراقب المشهد عن قرب وتصرخ بالراجمين: «لو كانت هذه المسكينة ساحرةً بالفعل لما كانت تتألم، ولاستخدمت سحرَها لإنقاذ نفسها، أفلا تعقلون؟». تحوّل هذا الصوت الاعتراضي إلى حركة شعبية رسمية حتى صدر قانون التجريم. ويعود الفضل في ذلك إلى هذه السيدة التي تمكّنت بجرأتها من تغيير طبيعة الحياة القروية في المناطق المتخلّفة من الريف الهندي.
فقد أنقذت نحو 90 سيدة من الموت رجماً، منهنّ 35 سيدة نقلتهن من ساحة الرجم إلى بيتها الخشبي المتهالك، ولذا فهي مرشّحة الآن لنيل جائزة نوبل للسلام. لا يعني ذلك أن الهند هي على هذه الصورة. إنها مخلّفات اجتماعية عرفت نماذج منها في السابق دولٌ متحضّرة في أوروبا. لقد دخلت الهندُ عصرَ الذكاء الاصطناعي مِن أبوابه الواسعة وأصبحت تتقدّم دولاً عديدة في تطوير وإنتاج الأجهزة الإلكترونية الحديثة. وهناك أكثر من مليون اختصاصي هندي يعملون في بلادهم لحساب شركات إلكترونية أميركية كبرى. ثم إن الهند التي وصلت إلى القمر وأنتجت سلاحاً نووياً منذ عقود عديدة، ما تزال تحارب التخلّف في بعض مناطق الريف المعزولة.
* كاتب لبناني