يشهد العالم تنامي المخاطر بنشوب حرب عالمية جديدة تختلف كلية عن الحربين العالميتين الأولى (1914 – 1918) والثانية (1939 – 1945). ويعود السبب في ذلك إلى أن الحرب العالمية الثانية وضعت أوزارها بفعل قنبلتي (الولد الصغير) و(الرجل البدين) النوويتين الأميركيتين، اللتين أودتا بحياة ما يناهز 220000 شخص في مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، ما تسبب في استسلام اليابان في غضون ستة أيام. أما «الحرب العالمية الثالثة» في حال حدوثها، فلن تقف فقط عند حدود مدينتين أو في إطار نتائج عسكرية، بل ستتجاوز ذلك بكثير لتصل إلى «مسح» دول كاملة من الخريطة وانهيار فعلي للاقتصاد العالمي. ولنلقِ نظرة سريعة على بؤر الخطر الموزعة على الكرة الأرضية حالياً.
لو نظرنا شرقاً، سنجد منطقتين ساخنتين يوشك الوضع فيهما على الانفجار في أية لحظة. المنطقة الأولى تتمثل في شبه الجزيرة الكورية التي يستمر فيها التوتر بين الكوريتين الجنوبية والشمالية، بسبب ما تراه كل منهما من خطر نشوب حرب عليها من الأخرى. فقد قامت بيونج يانج في شهر ديسمبر من العام الماضي بالإعلان عن وقف المساعي المشتركة لإعادة توحيد الكوريتين، ووصفت كوريا الجنوبية بأنها (دولة معادية)، كما تستمر كوريا الشمالية في إجراء تجارب إطلاق الصواريخ الباليستية والادعاء بامتلاكها السلاح النووي. ولذلك ترى كوريا الجنوبية، التي تدعمها الولايات المتحدة الأميركية عسكرياً، أن ذلك قد يصل إلى مواجهة فعلية بينها وبين كوريا الشمالية التي تدعمها روسيا والصين.
وليس ببعيد عن شبه الجزيرة الكورية، تأتي المنطقة الثانية، حيث الأوضاع المتوترة بين الصين من جانب، وجزيرة تايوان التي تدعمها الولايات المتحدة أيضاً من جانب آخر. فالصين لا تفتأ، بالطرق السلمية، تسعى لاستعادة تايوان التي انفصلت عنها في العام 1949. ويعتبر العديد من الخبراء الاستراتيجيين أن اندلاع مواجهة بين جمهورية الصين الشعبية وتايوان لن تقف نتائجها عند الجوانب العسكرية والإنسانية فقط، بل ستتجاوزها إلى الكوارث الاقتصادية التي ستصيب العالم، نظراً للمكانة الاقتصادية والتجارية التي يمثلها الجانبان.
ولو اتجهنا إلى منطقتنا العربية، سنجد تصاعداً خطيراً قد يؤدي إلى مواجهات إقليمية قد تتطور إلى حرب دولية. والمقصود هنا الأوضاع بين إيران و«حزب الله» من جانب، وإسرائيل من جانب آخر، على خلفية الحرب الدائرة حالياً في قطاع غزة.
ولو انتقلنا بعد ذلك إلى قارة أوربا، سنجد الأزمة المستمرة بين أوكرانيا وروسيا منذ فبراير 2022، والتي تطورت مؤخراً بعد دخول قوات أوكرانية إلى مقاطعة «كورسك» الروسية، في الوقت الذي تتوسع فيه روسيا في المزيد من أراضي إقليم دونيتسك الأوكراني. ومن المخاطر التي لا يتمناها أحد في أوروبا توسيع نطاق هذه الأزمة لتشمل مواجهة عسكرية أكبر بين روسيا وحلف «الناتو».
تلك هي أبرز بؤر الخطر في العالم حالياً، والتي يكفي انفجار إحداها إلى دخول دول أخرى في النزاع المسلح، الأمر الذي يشي باحتمال استخدام السلاح النووي المختلف نوعاً وكيفاً عن مثيله المستخدم في العام 1945، بجانب الانهيار الشامل في الاقتصاد العالمي. وهنا يبرز التساؤل: هل تتشابه الأوضاع حالياً مع فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، أم أنها بالفعل أكثر سخونة؟
*باحث إماراتي