حققت دولة الإمارات العربية المتحدة في العقود القليلة الماضية مكانة بارزة كقوة اقتصادية عالمية ومركز تجاري رئيسي يربط بين الشرق والغرب. ولم تكن هذه المكانة مجرد مصادفة، بل نتيجة رؤية استراتيجية للقيادة الرشيدة، جعلت الدولة نموذجاً يحتذى به في التحول من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع ومستدام يقوم على الابتكار والمعرفة.
منذ تأسيسها في سبعينيات القرن الماضي، بدأت الإمارات رحلة تحول اقتصادي عميق. ومن أبرز خطوات هذا التحول، الاستثمار في البنية التحتية بشكل مكثف، وتأسيس مناطق حرة في أبوظبي ودبي: مثل جبل علي والمنطقة الحرة في مطار دبي، وهو ما أسهم في جذب الشركات العالمية وفتح الأبواب أمام استثمارات ضخمة. وقد أصبحت هذه المناطق الحرة منصات اقتصادية مهمة تربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا؛ حيث تستفيد الشركات من البيئة الاستثمارية المتطورة والبنية التحتية المتينة والقوانين المرنة.
وأتاح الموقع الجغرافي الفريد لدولة الإمارات أن تكون جسراً حقيقياً بين الشرق والغرب؛ حيث تبعد بضع ساعات طيران عن معظم العواصم الاقتصادية الرئيسية في العالم، وهو ما ساعدها على أن تصبح مركزاً عالمياً للتجارة واللوجستيات. وتُعدُّ الإمارات واحدة من أكبر المراكز العالمية لإعادة التصدير؛ إذ تُرسل المنتجات إلى جميع أنحاء العالم بعد مرورها عبر موانئها ومطاراتها. وقد استطاعت دبي، على سبيل المثال، أن تجعل من نفسها مركزاً رئيسيّاً للتجارة الإلكترونية، من خلال الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات وتطوير منصات رقمية تُسهِّل عمليات البيع والشراء عبر الإنترنت. وهذا التحول الرقمي، مدعوماً بالبنية التحتية المتطورة، جعل من الإمارات نقطة تجارية حيوية للشركات، التي تتطلع إلى التوسُّع في الأسواق العالمية.
حققت الإمارات تحولاً ملحوظاً في التنويع الاقتصادي؛ حيث أصبحت القطاعات غير النفطية تشكل أكثر من 74.3% من الناتج المحلي الإجمالي. وبلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر 112.6 مليار دولار في عام 2023؛ ما يمثل نمواً بنسبة 35% عن العام السابق. وتحتل الإمارات المرتبة الأولى عربياً وإقليمياً والـ 15 عالمياً في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، مستحوذة على 45.4% من الاستثمارات الأجنبية في الدول العربية. وتضاعفت التجارة الخارجية غير النفطية للإمارات أكثر من 1600 مرة خلال خمسة عقود.
على الصعيد الدولي، لعبت الإمارات دوراً مهماً في تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي والعالمي. ومن خلال مشاركتها الفعالة في المنظمات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية، واتفاقيات التجارة الحرة مع العديد من الدول، استطاعت الإمارات أن تكون شريكاً رئيسياً في النظام التجاري العالمي. كما أسهمت العلاقات الدبلوماسية القوية التي بنتها الإمارات مع العديد من الدول في تعزيز دورها كجسر للتواصل والتجارة بين الشرق والغرب. إضافة إلى ذلك، عملت الإمارات على إقامة مشروعات تعاون اقتصادي مع دول الجوار، لتعزيز التكامل الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط. وقد ساعدت هذه الجهود على تحقيق استقرار اقتصادي وسياسي في المنطقة، وفتحت فرصاً جديدة للتجارة والاستثمار.
وإدراكاً لأهمية الابتكار في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام، أولت دولة الإمارات اهتماماً كبيراً للبحث والتطوير وتعليم الشباب، فقد أنشأت العديد من المؤسسات التعليمية والبحثية الرائدة، مثل جامعة «خليفة للعلوم والتكنولوجيا». وتتطلع الإمارات إلى المستقبل من خلال الاستثمار في القطاعات الناشئة، مثل التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي. ويعكس تأسيس مناطق خاصة للابتكار، مثل: مدينة دبي للإنترنت ومدينة مصدر في أبوظبي، التزام الإمارات بتطوير اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار. وهذه المبادرات تهدف إلى جذب الشركات الناشئة والمبتكرين من جميع أنحاء العالم لتطوير حلول جديدة تلبي احتياجات الأسواق المستقبلية.
إن الدور الذي تلعبه دولة الإمارات على الساحة الاقتصادية العالمية، يبرز قدرتها على التأقلُّم مع التحولات الدولية وتقديم نموذج يحتذى به في التنمية الاقتصادية المستدامة. ولم تكتفِ دولة الإمارات بأن تكون جسراً يربط بين الشرق والغرب، بل أصبحت محركاً للتغيير الإيجابي، وقادرة على مواجهة التحديات المستقبلية بثقة وابتكار.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية