يبقى السادس من أغسطس واحداً من الأيام الخالدة في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، وذاكرة أبنائها، ومسيرة قيادتها الرشيدة نحو تحقيق آمال شعبها، في دولة تقدمت بخطى متسارعة خلال سنوات قلائل لتفسح لنفسها موقعاً مهمّاً ضمن تجارب بناء الدول الناجحة والقوية وتحقيق طموحات شعبها، على الرغم من كل الصعوبات والتحديات.
في السادس من أغسطس عام 1966، أوكلت إمارة أبوظبي أمر حكمها إلى رجل عرفه أبناؤها جميعاً حق المعرفة، وأثبتت لهم سنوات طوال من توليه مواقع المسؤولية منذ سنوات عمره المبكرة ما اختصه الله تعالى به من قدرات وطاقات استثنائية، تؤهله لإنجاز مهمة وضعوها بين يديه، وهي التقدُّم نحو إنشاء دولة الاتحاد، مطمئنين إلى حكمته في إدارة هذا الملف الصعب، وقدرته على معالجة أعسر الأمور وأعقدها استناداً إلى مهارات قيادية فريدة حباه الله بها، وثقة لا حدود لها في حكمته وأمانته ونزاهته وصدقه وعدله، وصواب رؤيته وقوة إرادته وصدق عزيمته، وهيبته التي يستمدها من المحبة والتواضع والقدرة على الإقناع لا من الإكراه أو القسر.
لقد استند الإجماع التام في ذلك اليوم على المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والالتفاف القوي حول قيادته، إلى رصيد ضخم في مواقع المسؤولية التي تولاها الوالد المؤسس منذ أربعينيات القرن الماضي، وظهرت فيها مناقبه الشخصية وقدراته السياسية والقيادية التي جعلته موضع الإجلال. فخلال توليه منصب ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية، الذي تولاه عام 1946، لم يكن يأنف من العمل بيديه في المشروعات التي يسهر على تنفيذها لخدمة شعبه رغم ضعف الإمكانات. وكان كرمه وشجاعته وتواضعه ومحبة الناس له مضرب المثل، إلى جانب قدرته الفذة على معالجة المشكلات المتعددة في المنطقة، وتحسين حياة الناس ونوعية الخدمات المُقدَّمة لهم، والسعي إلى جعل حياتهم أفضل، رغم نقص الأموال وضعف الأدوات المتاحة.
وبالنظر إلى ما سبق، كان اتفاق العقول والقلوب، في السادس من أغسطس 1966، على المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قائداً وزعيماً وحاكماً لإمارة أبوظبي، يحمل معاني عدة، فقد كان وليد الحكمة التي يمتاز بها رجال عركوا الحياة وخبروها في الصحراء والبحر، واعتادوا مواجهة الشدائد، ومنحتهم الصحراء فراسة نادرة، وقدرة على تمييز الأكفأ والأجدر، والأقدر على تحقيق الهدف المصيري الأهم والأكبر، وهو قيادة المسيرة نحو بناء الدولة الاتحادية، إيماناً منهم بقدرته على تجاوز العوائق وتذليل كل العقبات أمام قيامها.
ولقد أثبتت الفطرة السليمة لأبناء الإمارة صواب اختيارها، وصدق تقديرها، وحقق المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حلم الاتحاد، في الثاني من ديسمبر 1971، بعد خمس سنوات فقط من توليه حكم إمارة أبوظبي، ولتبدأ الدولة الوليدة خلال سنوات قلائل، تحت قيادته، تحقيق الإنجازات الكبرى في كل المجالات، ولتصبح تجربتها في التطور والتنمية نموذجاً يسعى كثير من دول العالم، حتى المتقدمة منها، إلى التعلم منه، واستلهام دروسه.
وبعد ستة وخمسين عاماً على ذلك اليوم العظيم، فإننا بحاجة إلى التوقف مليّاً أمام دلالاته، ومن أهمها ما يتسم به أبناء الدولة من التفاف حول قيادتهم، وثقة مطلقة فيها، ووعي ثاقب بالدور التاريخي الذي اضطلعت به القيادة الرشيدة في بناء دولة الإمارات، والوصول بها إلى أقصى مستويات النجاح السياسي والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، والمكانة الإقليمية والعالمية التي تجعلها صاحبة دور مؤثر في الجهود التي تُبذل من أجل إرساء السلم والاستقرار والتعاون والتسامح في العالم، وكل ما فيه خير الإنسانية وتقدُّمها.
كما يمثل السادس من أغسطس فرصة لمزيد من اكتشاف زوايا جديدة في الفكر السياسي والقدرات القيادية للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ولتأكيد الالتفاف حول راية الوطن العزيزة الشامخة، في البيت المتوحد قوي الأركان، المعتز بماضٍ حافل بالبطولات، وحاضر تتوالى فيه الإنجازات والنجاحات، ومستقبل لا نرضى فيه سوى بموقع الصدارة بين دول العالم.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية