حققت دولة الإمارات العربية المتحدة قفزة نوعية واسعة نحو تحقيق تمكين المرأة في السنوات الأخيرة، ويمكنني أن أقول إنه حان الوقت لنتحدث عن المرأة الإماراتية ما بعد التمكين؛ ففي المرحلة المقبلة يجب أن نركز على استدامة تمكين المرأة، والحفاظ على مكتسباتها، وتنميتها ضمن آليات تنمية المجتمع الإماراتي وبناء مستقبله.

ويتطلب ذلك النظر في العناصر التي تدعم المرأة الإماراتية، واستدامة تمكينها، ومنها: التعليم المستمر والتطوير المهني تحتم التغيرات السريعة في سوق العمل ضرورة توفير فرص تعليم مستمرة للمرأة، وإطلاق برامج تعليمية تواكب التطورات التقنية والعلمية المتسارعة؛ ما يمكن المرأة من تحديث معرفتها ومهاراتها باستمرار؛ فقد شهدت سوق العمل في السنوات الأخيرة تحولات واسعة، وتغيَّرت بعض ملامحها جذريّاً. ومع تسارع حركة التطور التكنولوجي لا بدَّ للمرأة الإماراتية أن تظل في حالة انخراط في العملية التعليمية، وأن تتبنى التعلُّم المستمر كمنهج حياة، لكي تبقى دوماً مواكِبةً للتطور، بل سابقة لتحولات سوق العمل.

ومن هنا تأتي أهمية توفير البرامج التي تدعم التعلم المستمر للمرأة الإماراتية لتنمية معرفتها وقدراتها، وتعزيز نجاحات التمكين واستدامته، إضافة إلى التدريب المهني الذي يعزز قدرات المرأة، ويمنحها المرونة للتفاعل مع عملية التعلم المستمر، ويساعد على سد الفجوة بين مخرجات التعليم الأكاديمي وسوق العمل.

تعزيز القيادة النسائية

يُعد دعم النساء للوصول إلى المناصب القيادية في جميع المستويات أمراً ضروريّاً لتحقيق التوازن في صنع القرار؛ ويتطلب ذلك سياسات داعمة وبرامج تدريبية تركز على تطوير مهارات القيادة لدى النساء؛ كما أن الحرص على استدامة دعم وصول المرأة إلى المناصب القيادية على جميع المستويات عنصر مهم لترسيخ استدامة تمكين المرأة، وتعزيز قِيم التوازن بين الجنسين في جميع مجالات الحياة. ولا شك أن دولة الإمارات العربية المتحدة حققت خطوات كبيرة ونجاحات استثنائية تُحسب لقيادتنا الرشيدة التي آمنت بقيمة تحقيق هذا التوازن من أجل مستقبل دولة الإمارات.

التشريعات والسياسات

كثيراً ما كنت أتساءل: هل تحتاج التشريعات والسياسات التي تدعم المرأة والتوازن بين الجنسين إلى مراجعة؟ من وجهة نظري لا بدَّ بين الحين والآخر من إجراء مراجعات لهذه التشريعات والسياسات وتطويرها؛ لضمان استدامة تمكين المرأة في المجالات كافة، خاصة في المجال السياسي. وبعد أن أصبحت لدينا واحدة من أعلى نسب مشاركات المرأة في الحقائب الوزارية على مستوى العالم، ومشاركة نسائية لافتة للنظر في المجلس الوطني الاتحادي أيضاً، تجب علينا مراجعة التشريعات والسياسات كل مدَّة؛ لكي نضفي عليها المرونة الكافية لتتماشى مع الحقب الزمنية المتعاقبة، والتغيرات التي تؤثر في ملامحها.

الاستقلال الاقتصادي

أظهرَ رصدي للحراك المجتمعي أنه لا يزال هناك تعثر بصورةٍ ما بشأن استقلال المرأة اقتصاديّاً؛ ولذلك يجب تقديم دعم أكبر لمفهوم المجتمع بشأن الاستقلال الاقتصادي للمرأة، وتوعية المرأة نفسها بأهمية هذا الاستقلال، وتوظيفه إيجابيّاً لتحقيق المنفعة للمجتمع بصفته كياناً متماسكاً. ويُعد دعم مبادرات ريادة الأعمال النسائية -عن طريق توفير التمويل والتدريب والمشورة- من الخطوات الأساسية لتحقيق الاستقلال الاقتصادي للمرأة؛ في حين أن تشجيع النساء على الاستثمار في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتنمية مشاريعهنَّ الخاصة، يسهمان في استدامة تمكين المرأة، وتعزيز الاقتصاد الوطني.

التوازن بين العمل والحياة الأسرية

لا ننكر أن الفروق الطبيعية البيولوجية بين المرأة والرجل تفرض تبايناً في سلوكيات الحياة، والمهام الحياتية اليومية لكل منهما، وتمثل عبئاً على المرأة تحديداً؛ نظراً إلى أن هذه الفروق الطبيعية تجعل الطفل ملتصقاً بالأم في سنوات الطفولة الأولى، بل إلى ما بعد السنوات الأولى من عمره أحيانًا؛ ولذلك ينبغي تطوير سياسات عمل مرنة تسمح للمرأة بتحقيق توازن أفضل بين حياتها المهنية والشخصية؛ ويمكن أن تشمل هذه السياسات تعزيز فرص العمل من بُعد، وساعات العمل المرنة، والإجازات المدفوعة. وكذلك يجب أن تكون خدمات رعاية الأطفال لدعم الأمهات العاملات متاحة، وسهلة الوصول، لضمان أن تتمكن المرأة من الجمع بين مسؤولياتها العائلية والمهنية بكفاءة.

الصورة الإعلامية للمرأة

إن تعزيز تمثيل النساء في وسائل الإعلام بشكل يعكس دورهنَّ الحقيقي وإنجازاتهنَّ، يسهم في تغيير الصورة النمطية عن المرأة، التي يجب أن يكون لها حضور قوي وإيجابي في مختلف الوسائل الإعلامية؛ كما أن دعم النساء في مجالات الثقافة والفنون يعزز تعبيرهن الإبداعي، ويسهم في إبراز مواهبهن. ولا بدَّ من أن تُتاح للمرأة الإماراتية فرص الإبداع والمشاركة في المشهدين الثقافي والفني بكل حرية؛ وإظهار صورتها الحقيقية المشرّفة في الدراما بكل أشكالها. إذنْ يحتاج تحقيق استدامة تمكين المرأة الإماراتية إلى تناغم بين جميع عناصر المجتمع، بدءاً من المرأة نفسها، ومروراً بالمجتمع بصفته وحدةً واحدة؛ وبين الدولة بعناصرها كافةً؛ ذلك أن المحافظة على استدامة التمكين، وتحوله من مجرد طرح مجتمعي إلى جزء أصيل من وعي المجتمع وثقافته، هي الهدف المنشود من رسوخ واستمرارية نمو الحضارة الإماراتية الحديثة، وتطورها.

*باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذ زائر بكليات التقنية العليا للطالبات، أستاذ زائر بجامعة الإمارات العربية المتحدة.