جلبت الانتخابات البريطانية والفرنسية قدراً كبيراً من الأخبار الجيدة لـ«الديمقراطيين» في الولايات المتحدة الأميركية، لكن الأخبار كانت سيئة بالنسبة للرئيس جو بايدن، الذي قرر الانسحاب من السباق الانتخابي. والدرس الأساسي هنا هو أن الليبراليين قادرون على الفوز بالانتخابات، ولكن ربما ليس كمرشحين للمناصب. تذهلني نتائج الانتخابات في الخارج باعتبارها سبباً آخر يدفع بايدن إلى أداء أقصى درجات الحنكة السياسية والانسحاب من السباق الرئاسي، وهو ما حدث بالفعل. أسفرت الانتخابات البريطانية التي جرت في 4 يوليو عن فوز ساحق لحزب «العمال»، منهية بذلك 14 عاماً قضاها حزب «المحافظين» في السلطة.

وقد حقق «كير ستارمر»، رئيس الوزراء العمالي الجديد، هذه النتيجة جزئياً من خلال الانتقال إلى الوسط وحتى انتقاد المحافظين لكونهم متساهلين للغاية فيما يتعلق بالهجرة. لقد أظهر كفاءة هادئة، ووعد في خطابه الأول كزعيم لبريطانيا بإنهاء «عصر الأداء الصاخب».

لكن في الأغلب، دعم الناخبون البريطانيون حزب «العمال» ببساطة لأنهم سئموا من قيام «المحافظين» بإفساد الحكومة. ووفقاً لأحد استطلاعات الرأي، فإن السببين الرئيسيين وراء دعم الناخبين لحزب «العمال» هما «إخراج المحافظين»، وإن «البلاد بحاجة إلى التغيير».

وقال 5% فقط إنهم يدعمون مرشحي حزب «العمال» لأنهم «يتفقون مع سياساتهم». كان الناخبون البريطانيون غير راضين عن «المحافظين» لبعض الأسباب، وهي نفسها التي كانت تجعل العديد من الأميركيين غير راضين عن بايدن. فالأسعار مرتفعة للغاية. وعدم المساواة كبير للغاية.

ويبدو أن الهجرة لا تتم مراقبتها. ويُنظر إلى أصحاب المناصب على أنهم بعيدون عن الواقع ويدينون بالفضل للنخب. ويمكن رؤية هذا العداء تجاه شاغلي المناصب في جميع أنحاء العالم الصناعي، من كندا إلى هولندا واليابان.

كان الإحباط من شاغلي المناصب أيضاً موضوعاً في الانتخابات الفرنسية، حيث راهن الرئيس إيمانويل ماكرون على رهان مشابه للرهان الذي كان يراهن عليه بايدن - وهو أن الناخبين سيعودون إلى رشدهم ويدعمونه في مواجهة منافسيه. لقد خسر ماكرون هذا الرهان أساساً، على الرغم من أن النتيجة النهائية لم تكن كارثية كما كان متوقعاً، وأيضاً انسحب بايدن من السباق الرئاسي.

فبعد تقدم حزب مارين لوبان اليميني المتشدد في انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو الماضي، قام ماكرون بالمراهنة ودعا إلى إجراء انتخابات وطنية. وأدت الجولة الثانية من تلك الانتخابات إلى انقسام ثلاثي، حيث جاء ائتلاف يساري في المركز الأول، وجاء تحالف ماكرون الوسطي في المركز الثاني (إذ إنه فقد قدرته على الحكم على ما يبدو)، وجاء تجمع لوبان في المركز الثالث.

ربما وصل ماكرون الآن إلى طريق مسدود في عصر الحكومة المنقسمة، لكن على الأقل فإن القوميين اليمينيين لن يتمكنوا من تشكيل الحكومة. والدرس المستفاد من الانتخابات الفرنسية والبريطانية هو أن الناخبين على استعداد تام لدعم المرشحين من اليسار، ولكنهم حريصون على توجيه صفعة للمرشحين الحاليين. ومع ذلك، هناك درس آخر للديمقراطيين الأميركيين: تشكيل الخيارات الانتخابية يمكن أن يكون تكتيكاً ناجحاً للغاية لتخفيف الضرر.

في فرنسا، انتهى الأمر باليمين المتشدد إلى أداء ضعيف لأن المرشحين من بقية الطيف السياسي تعاملوا مع الانتخابات باعتبارها حالة طوارئ وطنية: فقد تعاون اليساريون والوسطيون في إخراج بعض مرشحيهم من السباقات وتركيز الأصوات المناهضة لليمين. وكان ذلك مؤلماً، لكن الانسحابات الاستراتيجية لبعض المرشحين حالت دون صعود متشدد يميني إلى السلطة. 

نيكولاس كريستوف*

*كاتب أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»