تعتبر رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال دعم الحلول المستدامة للتحديات الكابحة لتحقيق التنمية عبر دول العالم امتداداً للمبادئ التي أرساها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وقد رسخت الدولة حضورها في هذا المجال بصيغة أسست لما يُمكن تسميته «المسؤولية الدولية للحكومات»، إذ تُوجه دولة الإمارات قسماً حاسماً من جهودها لطرح ودعم الحلول غير التقليدية لتحديات اليوم والمستقبل.

وتمثل «جائزة زايد للاستدامة» نتاجاً للإرث الوطني لدولة الإمارات الداعم لتطوير حلول الاستدامة المبتكرة عالمياً، ومع إغلاق باب المشاركة في الجائزة في دورتها الحالية للعام 2025 صار جلياً أن الجائزة تطورت لتصبح آلية دولية رائدة يطمح آلاف المبتكرين على مستوى العالم للشراكة معها، حيث بلغ حجم طلبات المشاركة نحو 5980 طلباً من 156 دولة.

وفي الواقع، فإن الجائزة قد أسهمت منذ تأسيسها عام 2008، في التأثير إيجابياً في حياة أكثر من 384 مليون شخص حول العالم، وهي تمثل ترجمة لرؤية قيادة دولة الإمارات المرتكزة على دفع عجلة التقدم في مجال التنمية المستدامة والعمل الإنساني عالمياً.

وتترجم الجائزة تلك الرؤية باشتمالها على خمس فئات رئيسية تبلغ قيمة كل منها مليون دولار، وهي: الصحة والغذاء والطاقة والمياه والعمل المناخي، إضافة إلى فئة المدارس الثانوية العالمية، التي تتوزع قيمتها على 6 مدارس تمثل مناطق العالم، وتحصل كل منها على 150 ألف دولار.

ويُظهر التنوع غير المسبوق في مستويات طلبات المشاركة في الجائرة تنامي الحاجة العالمية للشراكة من أجل تعزيز التنمية المستدامة، والملاحظ أن المشاركات المرتبطة بمعالجة تأثيرات تغير المناخ كانت مطروحة بشكل دائم من مختلف الدول والقارات، وهي أيضاً أكثر الفئات التي تقدم المبتكرون بطلبات مشاركة فيها في النسخة الحالية (1532 طلباً)، كما تصدرت الأسواق الناشئة قائمة الدول الأكثر مشاركة، الأمر الذي يؤكد أن البلدان النامية ساعية لإيجاد حلول مبتكرة لسدّ فجوة الاستدامة.

وقد تضاعف عدد طلبات المشاركة في فئة الغذاء في نسخة عام 2025 من الجائزة مقارنة بسابقتها، وسُجل نحو 1255 طلب مشاركة، ما يؤكد محورية الاهتمام الذي سينصب على معالجة التحديات المتعلقة بالإنتاج الغذائي المستدام عبر تطوير وابتكار وسائط تكنولوجية تُسهم في إيجاد حلول فعالة لتلك القضية.

وتجدر الإشارة إلى أن تنوع فئات الجائزة هو في جوهرة ضمانة أساسية لفعالية ما يتم طرحه من حلول، فعلى سبيل المثال ستنعكس معالجة التحديات المناخية في مستويات مُتقدمة على استدامة آليات معالجة التحديات الغذائية بما يشمل استعادة التربة، وتعزيز التنوع البيولوجي، والاستخدام المستدام للموارد، وتعزيز الاستدامة البيئية.

وتؤشر مستويات الإقبال على فئات الدورة الحالية من الجائزة إلى أن مستهدفات «جائزة زايد للاستدامة» تمثل منصة مستقبلية عالمية، حيث تظهر زيادة أعداد المشاركات بنسبة بلغت 15% مقارنة مع دورة العام الماضي، وذلك يشمل فئات الجائزة المختلفة مثل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والبلوك تشين، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والتكنولوجيا الحيوية. والحاصل أن الجائزة أصبحت مساراً دولياً لرعاية مساعي الاستدامة القائمة على الابتكار والتطبيقات التكنولوجية، ما جعل نطاقات المشاركين تتنوع عاماً بعد عام بين شركات صغيرة ومتوسطة ومنظمات غير ربحية ومؤسسات تعليمية.

وفي الواقع، فإن إسهامات دولة الإمارات في مجال الاستدامة تؤكد فعالية النموذج الذي تقدمه في ترسيم سياسات وطنية قابلة للتطوير كبرامج استراتيجية دولية تؤسس لتشاركية التنمية عبر رعاية الابتكار، وهو ما يجري وفقاً لمنهجية متكاملة تشمل أدواراً فاعلة لكافة مؤسسات الدولة، ويتمحور بالأساس حول البناء على منجزات الدولة طوال العقود الماضية، وأبرزها في هذا المجال استضافة مؤتمر الأطراف (كوب28) ودورية انعقاد فعاليات «أسبوع أبوظبي للاستدامة».

إن استمرارية إنجازات دولة الإمارات، في مجال تعزيز التنمية المستدامة وتحفيز العمل الإنساني، هي دليل واضح على أن حضور دولة الإمارات بالساحة الدولية يسير وفقاً لرؤية استشرافية تمنح الأولوية لتشاركية التنمية واستدامتها.

* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.