يعيش عالم اليوم في بيئة من اللايقين، وسط وتيرة تَغيُّرٍ عالية التسارع، حيث يتعرض الجميع يومياً لدفق من المعلومات والصور، بعضها مضلِل أو كاذب أو مزيف.. وهي حالة غير مسبوقة في التاريخ، ومن شأنها إحداث فجوةً معرفيةً كبيرةً بين الأجيال. وأخذاً في الاعتبار هذا التسارع وما يلفُّه من لايقين، تولي دولة الإمارات اهتماماً كبيراً لتطوير المجالات التكنولوجية الحديثة، تماشياً مع التحول نحو الحكومة الرقمية ومع إدخال استراتيجيات «الذكاء الاصطناعي».
وهذا ما حققته العاصمة أبوظبي، بتوجيه من صاحب السمو رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، بتأسيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، في عام 2019، كجزء من «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031»، والتي جاءت بعد تعيين أول وزير دولة في العالم للذكاء الاصطناعي. ويتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي بنسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، أو بما قيمته 96 مليار دولار، بحلول عام 2030.
وهذا مما يجعل الذكاء الاصطناعي عنصراً شديد الحيوية في تنويع اقتصاد الإمارات، كما يجعله ضرورة استراتيجية لتنمية قدراتها في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وبالتالي فإن تطويره يحقق فوائد كبيرة لجميع قطاعات الاقتصاد الوطني. وفي هذا السياق، تشير إلى تقارير صادرة عن مؤسسات عالمية إلى أن دولة الإمارات تعد قوةً مهمةً في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتصل باستخدام وتطوير ابتكارات وحلول الذكاء الاصطناعي في جميع أنشطة الأعمال. ووفقاً لهذه التقارير فإن الإمارات تأتي في المركز الثالث عالمياً في قطاع الذكاء الاصطناعي، بعد الولايات المتحدة والصين، وذلك بفضل إعلانها عن مبادرات قوية في مجال الذكاء الاصطناعي، ومنها نموذج «فالكون 2» للذكاء الاصطناعي، المصمَّم لمنافسة كل من «ميتا» (Meta) و«أوبن أيه آي» (Open AI)، مما يضع الدولةَ في مقدمة الدول التي تساهم في إنتاج وتطوير الذكاء الاصطناعي. ووفقاً لدراسة صدرت عن قطاع ذكاء الأعمال والاقتصاد في غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، فإن عدد شركات الذكاء الاصطناعي المسجلة في أبوظبي نما بمعدل سنوي يصل 67% بين عامي 2021 و2023، مما يعزز مكانة أبوظبي كلاعب عالمي بارز في تطوير الذكاء الاصطناعي، بوصفها الخيار الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لممارسة الأعمال التجارية بحلول عام 2025. وفي السياق ذاته، أكدت دراسة حديثة لشركة «بوسطن كونسلتينج جروب» أن دولة الإمارات تقود وعيَ منطقة الشرق الأوسط بالذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، حيث إن معرفة المستهلكين بالذكاء الاصطناعي مرتفعة بشكل مدهش في الإمارات.
ورصدت الدراسة الصادرة بعنوان «المستهلكون يعرفون أكثر عن الذكاء الاصطناعي مما يعتقده قادة الأعمال»، الاهتمام والشعور الإيجابي المتزايدين لدى المستهلكين في الإمارات إزاء الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI)، إذ إن 91% منهم في الدولة يعرفون الذكاء الاصطناعي التوليدي، ويستخدم 34% منهم تلك التقنيات. كما أكد «تقرير المهارات العالمية 2024»، الصادر عن «كورسيرا»، وجود زيادة سنوية بنسبة 1102% في معدلات التسجيل ببرامج ودورات الذكاء الاصطناعي التوليدي في دولة الإمارات، مما يرسخ مكانتَها كدولة رائدة عالمياً في قطاع الذكاء الاصطناعي. وشكَّلَ تزايد انتشار الأخبار الكاذبة والمضلِلة على منصات التواصل الاجتماعي وتفاقم اتساع رقعتها أمراً مُثيراً للقلق.
وإزاء ذلك التحدي، نأمل أن يكون الذكاء الاصطناعي التوليدي قادراً على مساعدة المجتمعات في تصحيح وتنقية المعلومات المتدفقة بشكل عنيف وغير عادل، حيث أصبحت المعلومات والأخبار المزيفة والكاذبة تتسبب أحياناً في إرباك الجمهور بصورة مفرطة. دولة الإمارات بقيمها الأخلاقية، وسلوكها الإعلامي والسياسي الرصين، إلى جانب إمكاناتها في مجال الذكاء الاصطناعي وقوتها الناعمة المسالمة، علاوة على انتهاجها مبادئَ التسامح والتعايش والأخوّة الإنسانية في علاقاتها الدولية.. قادرة على تقديم المساعدة والعون بهدف ضبط وتصحيح مسارات الإعلام والتدفق المعلوماتي.
*سفيرسابق