في هذه المرحلة من مسار الأحداث في العالم العربي وجواره الجغرافي يتضح وجود عدد من القضايا الشائكة المسببة لعدم الاستقرار، وبإجراء مسح سريع يتضح وجود قضايا على النحو التالي: أولاً، انتشار واسع محتمل لأسلحة فتاكة مزعزعة للأمن على المدى البعيد يأخذ لنفسه حيزاً واسعاً في عدم استقرار المنطقة. هذه الأسلحة قد تكون تقليدية مطورة أو أسلحة دمار شامل. وهذا يحدث على ضوء سعي بعض الدول الحثيث إلى التسلح المفرط وامتلاك أسلحة غير تقليدية متنوعة.
وتسارع التسلح هذا يشمل امتلاك الصواريخ الباليستية بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس أسلحة الدمار الشامل. وهناك عدد من المؤشرات والتقارير المتخصصة التي تشير إلى أنه قد ينتج عن ذلك سباق تسلح رهيب، تدخل فيه جميع دول المنطقة دون استثناء، على حساب قضايا التنمية التي تحتاجها شعوب هذه الدول أكثر من التسلح. انتشار الأسلحة الفتاكة ووضعها قيد الاستخدام، وحيازة التكنولوجيا المتطورة لسبل استخدامها - المنطقة على حافة الهاوية. وتوجد مؤشرات تفصح عن أن دولاً في المنطقة تمتلك هذه المقومات المهددة للدول الأخرى.
هذا سيجبر الآخرين على امتلاك أسلحة شبيهة كأداة للردع، وهي دول قادرة من حيث الإمكانيات المادية والعلمية والبشرية ما سيدخل المنطقة في سباق تسلح متسارع وربما مفرط تصعب السيطرة عليه أو إيقافه. ثانياً، عدد من الدول، من بينها في الخليج العربي هم حلفاء وأصدقاء وشركاء لدول الغرب تعاني من مشاكل اقتصادية ولديها عجز في موازناتها ومشاكل هيكلية اقتصادية.
وأكثر دول المنطقة معاناة هي التي تواجه مشاكل اقتصادية، فرغم قطع البعض منها أشواط لا بأس بها على طريق الإصلاح التنموي ما بعد أحداث ما سمي بـ «الربيع العربي»، إلا أنها لا تزال تحتاج إلى مزيد من الإصلاحات لكي تؤسس لنفسها البنية الراسخة لاقتصاد قوي ومنتج. لذلك، فإن أصدقاء وحلفاء هذه الدول في المنطقة أو في الغرب تقع عليهم مسؤولية مساعدتها لتخطي الصعاب التي تواجهها، فدعم هذه الدول المتعثرة تنموياً هو أمر إيجابي، لكنه لا يمكن أن يحقق النتائج المرجوة دون أن تقدم هذه الدول ذاتها على خطوات إيجابية مناسبة لإصلاح ذاتها.
ثالثاً، تقديم الدعم عالي المستوى للدول المحتاجة هي أداة مهمة في السياسة الخارجية للدول المقتدرة، لكن ذلك مرتبط بميزانيات محددة. وفي السنوات الأخيرة قلصت عدد من الدول المانحة مقادير الدعم، وهذا أمر مخل بما يمكن أن تحققه الدول المتلقية من نتائج، مثلما أن النفوذ الممارس من قبل المانحة يتراجع. لذلك من الأجدى زيادة مقادير الدعم لكي يصبح مفيداً ومؤثراً وفعالاً. لكن في المحصلة النهائية يتوقف على ظروف الدول المانحة، فقد لا يكون أمر الزيادة ممكناً على ضوء صعوبات تعاني منها الدول المانحة، وما قد تكون تمر به من معاناة اقتصادية عابرة أو طارئة أو من كساد.
رابعاً، عدد من دول المشرق العربي تمر بمشاكل وصعوبات تبعدها حالياً عن لعب الأدوار المفترض لها أن تمارسها في شؤون المنطقة، فدول كمصر وسوريا والعراق والسودان تمر بمشاكل سياسية وأزمات اقتصادية، لكن لا يجب تجاهلها وإهمالها، لأنها دول عربية ذات إمكانيات مستقبلية كامنة ستلعب أدواراً مؤثرة في مستقبل العالم العربي. بلدان المنطقة وغيرها من الحلفاء والأصدقاء تقع على عواتقهم مهمة التعاون والعمل لانتشال هذه الدول من محنها، خاصة الحروب الطاحنة التي تدور في البعض منها.
وربما أن خطوات المساعدة في حل مشاكل هذه الدول تبدو صعبة التحقيق، لكن لا بد من الشروع فيها والاضطلاع بها إذا ما أراد المجتمع الدولي إعادة الأمن والاستقرار والسلام والوئام إلى المنطقة.
خامساً، يبقى أن ما هو حاصل على صعيد القضية الفلسطينية، وما يحدث من قتل ودمار وتشريد وتهجير في قطاع غزة هو أمر محزن ومربك ويطال كافة قضايا المنطقة الأخرى، فمن دون حل شامل وعادل ومنصف للفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة لهم عاصمتها القدس عن طريق حل الدولتين ستبقى المنطقة مشتعلة وقابلة للانفجار على الدوام.
*كاتب إماراتي