لا تسير الأمور وفقاً للمخطط لها. قبل ثلاثة أسابيع، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إجراء انتخابات مبكرة على أمل استعادة السيطرة السياسية بعد هزيمة ساحقة في الانتخابات الأوروبية. وفي الجولة الأولى من التصويت يوم الأحد الماضي، تصدر حزب «التجمع الوطني» اليميني المتشدد الانتخابات، واحتل ائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري المركز الثاني.
وجاء حزب «النهضة» الذي يتزعمه ماكرون في المركز الثالث. والآن، وبعد حصوله على نحو 33% من الأصوات، أصبح أقصى اليمين في طريقه لتحقيق نصر مذهل في الجولة الثانية المقرر إجراؤها يوم الأحد. إذا حصل حزب «التجمع الوطني» على الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية - أي يحصل على 289 مقعداً أو أكثر - فسيتعين على ماكرون دعوة «جوردان بارديلا»، زعيم الحزب البالغ من العمر 28 عاماً، لتشكيل الحكومة. وبموجب نظام «التعايش» مع الرئيس، سيكون حزب «التجمع الوطني» في السلطة، وستكون لديه الحرية في تنفيذ أجندته المتشددة المناهضة للمهاجرين.
ولأول مرة منذ نظام فيشي، ستصبح فرنسا في أيدي اليمين المتشدد. لكن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن حزب «التجمع الوطني» لن يتمكن من تحقيق الأغلبية، مما يترك فرنسا مع برلمان معلق. وسرعان ما ستعم الفوضى الأمور.
وباعتباره الحزب الأكبر، سيظل حزب «التجمع الوطني» يحاول حشد دعم الأحزاب الأخرى لتمرير التشريعات - ولكن لا أحد، ربما إلى جانب عدد قليل من النواب المنشقين من الجمهوريين اليمينيين، سيرغب في تمكين اليمين المتشدد من الحكم. ومع وجود ماكرون على رأس برلمان منقسم وغير متعاون، ستدخل فرنسا في أزمة سياسية عميقة من دون أي علاج في الأفق. وفي حالة وجود برلمان معلق، فلن يكون أمام ماكرون سوى خيارات قليلة للغاية.
لم يواجه أي رئيس فرنسي معاصر مثل هذا المأزق السياسي والمؤسسي. ويتلخص خياره الوحيد في محاولة تشكيل ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية، التي تضم نواباً من حزب «النهضة»، و«الجمهوريين»، وربما بعض النواب المعتدلين من الجبهة الشعبية الجديدة. لكن من المشكوك فيه أن يصل مثل هذا التجمع إلى الأغلبية. فمن سيكون رئيس الوزراء؟ يجب أن يكون شخصية سياسية يمكنها العمل مع يسار الوسط ويمين الوسط واليمين. وهذا النوع من الشخصية التوافقية غير متوفر في السياسة الفرنسية اليوم.
وعلى أي حال، فإن هذا لن يكون سوى حل مؤقت. وتتمتع حكومات تصريف الأعمال بالقليل من الشرعية السياسية ولا يمكنها تحقيق الكثير باستثناء تمرير الميزانيات لإبقاء الاقتصاد صامداً. وبعد مرور عام - وهو أقرب وقت دستوري يستطيع فيه الرئيس إعادة استخدام سلطة حل البرلمان - فمن المؤكد تقريباً أنه سيتعين على ماكرون القيام بذلك والدعوة إلى انتخابات أخرى. وسنعود إلى نقطة البداية، ولو في بيئة أكثر تقلبا. وبشكل عام، فإن احتمالات تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تبدو جيدة. على الرغم من أن ماكرون دعا يوم الأحد الماضي إلى تشكيل «اتحاد ديمقراطي وجمهوري عظيم» لهزيمة حزب «التجمع الوطني»، إلا أنه أمضى وقتاً أطول في محاولة إقناع اليسار مقارنة باليمين المتشدد. ومن خلال رفض ما يسميه «طرفي النقيض»، يأمل في جذب ناخبي «يسار الوسط» إلى ائتلافه الوسطي. لكن ماكرون لا يحظى بشعبية كبيرة. ومن خلال زعمه أن اليسار يمثل تهديداً لا يقل عن اليمين المتشدد، فقد يثني أيضاً الناخبين الوسطيين عن الإدلاء بأصواتهم لمرشحي الجبهة الشعبية الجديدة في جولات الإعادة ضد مرشحي «التجمع الوطني».
وقد يُسَهّل امتناعهم عن التصويت انتخاب المزيد من النواب اليمينيين المتشددين. وهؤلاء لا يحتاجون إلى المساعدة. ومن خلال الاستفادة من خيبة الأمل والغضب السائدين على نطاق واسع، من المرجح أن يبرز التجمع الوطني - سواء بأغلبية أم لا - كفائز في الانتخابات. أصبح الحزب الآن مهيمناً على جميع فئات المجتمع الفرنسي تقريباً وفي معظم مناطق فرنسا.
فقط المدن الكبرى هي التي لا تزال تقاوم هذه الموجة الهائلة، التي تحقق تقدماً في جميع الفئات العمرية باستثناء الفئة العمرية من 18 إلى 24 عاماً، على الرغم من أنها تجتذب دعماً كبيراً من الناخبين الأصغر سناً أيضاً. كما أن هذه الموجة قوية بين العمال والموظفين والمهنيين من ذوي الياقات الزرقاء والبيضاء. والأمر الجديد هو أن المتقاعدين، وهم الدائرة الانتخابية الأكثر إخلاصاً لماكرون حتى الآن، تحولوا بشكل كبير إلى اليمين المتشدد في الانتخابات الأوروبية التي جرت الشهر الماضي. كان هذا النصر لليمين المتشدد، الذي أصبح الآن قريباً للغاية، بعيد المنال عندما تم انتخاب ماكرون لأول مرة في عام 2017. وكان حزب التجمع الوطني بزعامة «مارين لوبان» آنذاك يضم ثمانية نواب فقط في الجمعية الوطنية، وهو رقم بعيد كل البعد عن أكثر من 200 نائب سيفوز به في الانتخابات يوم الأحد. وقد وعد ماكرون بأنه سيحمي فرنسا من التطرف اليميني.
ومع ذلك، منذ وصوله إلى السلطة، استعار من قواعد حزب التجمع الوطني، وأصدر تشريعات مثيرة للجدل مثل مشروع قانون الهجرة المتشدد الذي تم اعتماده العام الماضي بفضل دعم أقصى اليمين، وبدلاً من هزيمة اليمين المتشدد، مهد ماكرون الطريق لنجاحه. ومهما يحدث يوم الأحد، فمن الواضح للجميع أن مجازفة ماكرون غير الضرورية قد فشلت بشكل كبير. لكن خسارة ماكرون هي خسارة فرنسا أيضاً.
ومع عدم وجود قوة قادرة على الحكم غير اليمين المتشدد، ستشهد البلاد فترة من التقلبات والاضطراب الكبير، وسيكون الاستقرار شيئاً من الماضي. بالنسبة لبلد يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وحتى عسكرية كبيرة، يعد هذا احتمالاً مخيفاً. ومن غير المرجح أن تبدد مثل هذه الفوضى إغراء «اليمين المتشدد»، الذي يعد بالتغيير من نظام معطوب، عندما تأتي الانتخابات الرئاسية في عام 2027.
والآن تقف فرنسا على حافة الهاوية. إنها أمة قلقة للغاية تقترب من تصويت تاريخي. رغم كل المشاكل التي يواجهها البرلمان المعلق. فإما أن ترفض فرنسا اليمين المتشدد لتظل دولة منفتحة على الخارج، وفية للقيم الليبرالية التي قامت عليها الثورة الفرنسية، أو تستسلم لكراهية الأجانب والقومية المريرة. لم تكن المخاطر مرتفعة إلى هذا الحد من قبل.
فيليب مارليير*
*أستاذ السياسة الفرنسية والأوروبية في جامعة كوليدج لندن.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»