في وقت يتزايد فيه الطلب على مصادر الطاقة النظيفة والمستدامة، تشهد الصناعة النووية تطورات مثيرة تتمثل في المفاعلات النمطية الصغيرة (SMRs)، والمفاعلات النووية المتقدمة من الجيل الرابع، التي تُعد تقنيات واعدة على صعيد تلبية الاحتياجات العالمية من الطاقة، وتقليل المخاطر البيئية المرتبطة بالطاقة النووية التقليدية.

شهِدت السنوات الأخيرة تطورات مهمة في تكنولوجيا المفاعلات النمطية الصغيرة والمفاعلات النووية المتقدمة من الجيل الرابع. وتتميز المفاعلات النمطية الصغيرة بتصميماتها المدمجة والقابلة للتصنيع والتجميع في مواقع مختلفة، ومن ثَم سهولة تركيبها وتشغيلها بسرعة أكبر مقارنة بالمفاعلات التقليدية الكبيرة. وكذلك تنتج هذه المفاعلات ما يتراوح بين 50 و300 ميجاوات من الكهرباء؛ ما يجعلها مناسبة لتلبية احتياجات المجتمعات الصغيرة والمناطق النائية التي تفتقر إلى بنية تحتية كهربائية متطورة. أما المفاعلات النووية المتقدمة من الجيل الرابع؛ فتتضمن تحسينات كبيرة في كفاءة استخدام الوقود النووي، وتخفيض حجم النفايات المشعة، وتعتمد على تصميمات متقدمة، مثل المفاعلات ذات الملح المنصهر والمفاعلات السريعة التبريد بالغاز، التي تتيح تشغيلاً أكثر أماناً وفاعلية في توليد الطاقة.

وترجح تقارير أن تحقق هذه المفاعلات كفاءة في استخدام الوقود تصل إلى 50 في المئة، مقارنة بـ33 في المئة للمفاعلات الحالية؛ كما أن البحوث الحديثة تركز على تطوير هذه الأنظمة لجعلها أكثر اقتصادًا وأماناً من الأنظمة التقليدية، مع تحسين القدرة على إعادة تدوير الوقود النووي، وتقليل النفايات النووية الطويلة الأمد. على الرغم من أن المفاعلات النمطية الصغيرة والمفاعلات النووية المتقدمة من الجيل الرابع ذات إمكانيات واعدة؛ فإنها تواجه عدداً من التحديات، أبرزها التكلفة الأولية العالية لتطويرها وبنائها؛ ما يستلزم استثمارات ضخمة من الحكومات والقطاع الخاص.

وإضافة إلى ذلك تظل هناك مخاوف تتعلق بالسلامة النووية والأمن النووي؛ إذ يتطلب تطوير هذه المفاعلات إجراءات صارمة لضمان عدم حدوث تسربات إشعاعية منها، أو وقوع حوادث كارثية. ويتمثَّل تحدٍّ آخر في القبول الاجتماعي والسياسي لهذه التقنيات؛ إذ لا تزال بعض المجتمعات مترددة في اعتماد الطاقة النووية بسبب الحوادث النووية السابقة، والمخاطر المحتملة؛ ولذلك يتطلب تبنّيها جهوداً كبيرة في توعية تلك المجتمعات، وتعزيز الثقة بسلامة هذه المفاعلات وكفاءتها.

تطبيقات محتملة ومستقبل واعد تُعد التطبيقات المحتملة للمفاعلات النمطية الصغيرة والمفاعلات النووية المتقدمة من الجيل الرابع متنوعة، وتشمل مجالات حيوية عدة؛ إذ يمكن استخدام هذه المفاعلات في تزويد المناطق النائية بالطاقة الكهربائية؛ ما يعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها؛ كما يمكن توظيفها لدعم الصناعات الكبرى التي تتطلب كميات كبيرة من الطاقة، مثل صناعة الصلب والكيماويات. وإضافة إلى ذلك توفر هذه المفاعلات حلاً مستداماً للطاقة بدعم شبكات الطاقة المتجددة، ويمكن استخدامها بصفتها مصادر طاقة احتياطية تعمل على استقرار الشبكة الكهربائية عند انخفاض إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية.

ومع استمرار البحث والتطوير في هذا الميدان يمكن أن تؤدي المفاعلات النمطية الصغيرة والمفاعلات النووية المتقدمة من الجيل الرابع دوراً محوريّاً في مستقبل الطاقة العالمي. وعن طريق تعزيز الابتكار وتحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي والأمان، قد توفر هذه التقنيات حلولاً فعالة ومستدامة لمجابهة التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه العالم اليوم.

وختاماً يمكن القول إن التطور الحاصل في مجال المفاعلات النمطية الصغيرة والمفاعلات النووية المتقدمة من الجيل الرابع يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق مستقبل طاقة نظيفة ومستدامة. وبالرغم من التحديات الماثلة؛ فإن الابتكارات المستمرة والتعاون الدولي يمكن أن يقودا إلى حلول متقدمة تسهم في تحقيق الاستدامة البيئية والازدهار الاقتصادي.

*أستاذ مساعد في قسم الهندسة النووية - جامعة خليفة