كان على قاضي المحكمة العليا في نيويورك خوان مُرشان، الذي ترأس محاكمةَ الرئيس السابق دونالد ترامب في قضية «أموال الصمت» التي اختتمت بصدور الإدانة في 34 تهمة، ألا يقبل تولي هذه القضية. والأكيد أنه كان ينبغي على مرشان أن يتنحى عن القضية حالما طالب محامو ترامب بتنحيه. صحيح أنه تفاعلاً مع هذا الطلب، حكمت محكمةُ استئنافٍ الشهرَ الماضي بأن ترامب «لم يُثبت أن لديه حقاً واضحاً في المطالبة بتنحي القاضي». لكني أتوقعُ أن هذا الوضوح سيظهر خلال مرحلة استئناف حكم الإدانة، والذي سيتم تقديمه بُعيد صدور حكم العقوبة عليه الشهر المقبل.
العديد من المحللين القانونيين الذين قيّموا القضية، ووجدوا فيها انحرافاً مقلقاً عن القواعد فيما يتعلق بالكيفية التي ينبغي بها استخدام القانون الجنائي وإجراء المحاكمات الجنائية، حددوا حجتهم المفضلة و«الأكثر إقناعاً» لنجاح ترامب في الاستئناف. أما حجتي أنا فتتعلق بقرار مرشان المذهل ترؤس المحاكمة أصلاً.
ولنبدأ من يوليو 2023، حينما وبّخت «لجنة السلوك القضائي» في ولاية نيويورك القاضي مرشان، إذ وجهت له «إنذاراً»، لأنه قدّم تبرعات لحملة إعادة انتخاب الرئيس بايدن وللجنتَي عمل سياسيتين مناوئتين لـ«الجمهوريين» وترامب هما: «مشروع المشاركة التقدمي»، و«أوقفوا الجمهوريين».
والجدير بالذكر هنا أن نيويورك تحظر على قضاتها تقديم مثل هذه المساهمات السياسية، وإذا كان التوبيخ الذي وجِّه إلى مرشان لم يتم الكشف عن تفاصيله، فإنه من المتوقع أن يكون موضع نقاش كبير خلال الأشهر الحاسمة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات.
مرشان تبرع بمبلغ 15 دولاراً لحملة بايدن، وبمبلغ 10 دولارات لكل واحدة من اللجنتين. لكن، لماذا يقوم أي شخص بمثل هذا العمل المشحون بالرمزية والدلالة بعد أن أقسم على أن يكون قاضياً، وأن يلتزم بميثاق الشرف القضائي؟ الواقع أننا لا نعرف، لكن من المحتمل أن مرشان كان بحاجة لإيصال رسالة إلى فريق بايدن مفادها أنه سيكون قاضياً فيدرالياً جيداً، أو ربما يحب بايدن وحسب، أو لعله يكره ترامب وحسب.. إلخ. الحقيقة أننا لا نعرف لأن القاضي لم يجبَر أبداً على الإجابة عن مثل هذه الأسئلة.
العام الماضي، حكمت «اللجنة الاستشارية لأخلاقيات القضاء» في نيويورك بأن مرشان غير مجبَر على التنحي عن القضية بعد أن أشار فريق ترامب القانوني، ليس فقط إلى تبرعات القاضي في المنظمات «الديمقراطية»، ولكن أيضاً إلى عمل ابنته لصالح «الديمقراطيين»، وإلى اقتراح مرشان المزعوم على مسؤول تنفيذي سابق في منظمة ترامب العام الماضي بأن يتعاون ضد ترامب في قضية احتيال الشركة الضريبي.
والحال أن نصائح «اللجنة الاستشارية لأخلاقيات القضاء» ليست ملزِمة. وكانت لدى مرشان الحرية في التنحي، وكان ينبغي له أن يفعل ذلك. وإذا لم يكن دعم مرشان الصريح لقوى منحازة ضد مدعى عليه في قاعة المحكمة التي يرأسها لا يستوجب تنحي القاضي عن القضية، فعلينا في هذه الحالة الكفّ عن الاستماع إلى مزيد من الدعوات إلى تنحي قاضي المحكمة العليا صمويل أليتو جونيور عن القضايا المتعلقة بأحداث 6 يناير، لأن بعض الناس غير راضين على اختيار زوجته للأعلام التي ترفعها.
وفي حلقة بُثّت مؤخراً من بودكاست «تقرير مكارثي»، أشار المدعي العام الفيدرالي السابق آندرو مكارثي ورئيس تحرير مجلة «ناشيونال ريفيو» ريتش لوري إلى 10 أسس يمكن أن يستند إليها فريق ترامب القانوني في المطالبة بإسقاط الأحكام الصادرة ضد الرئيس السابق.
ولكل هذه الأسباب، ينبغي لمحاكم الاستئناف أن تعيد النظر في أهمية تبرعات مرشان السياسية البالغة 35 دولاراً. فرأي اللجنة الاستشارية ليس حاسماً بخصوص مسألة التنحي، شأنه في ذلك شأن قرار محكمة الاستئناف الأول. ورفض تنحي القاضي عن هذه القضية ستتعين دراسته في ضوء أحكام مرشان العديدة ضد ترامب أثناء أطوار هذه المحاكمة.
لكن، هل هناك أي شك، خارج الدوائر المحمومة المناهضة لترامب، في أن مرشان غير مؤهل لتولي هذه القضية بسبب تبرعاته؟ لقد تلقى توبيخاً فقط من لجنة السلوك القضائي، ربما لأن المخالفة التي ارتكبها مرشان كانت مخالفته الأولى، ولأن مبلغ التبرعات كان صغيراً جداً. والحق أن عدم وعي القاضي بمظهر عدم اللياقة الناشئ عن تبرعاته، أو مجرد عدم اكتراثه له، وجدَ الدعمَ والتشجيع في قرار اللجنة الاستشارية، غير أن «لجنة السلوك القضائي» وبّخت القاضي بشكل واضح لا لبس فيه الصيف الماضي بسبب تلك التبرعات. ولذلك، يظل قرار مرشان عدم التنحي عن القضية محيّراً.
وخلاصة القول هي أن رداء القاضي الذي يرتديه مرشان لا يخفي قميصَ فريقه المفضل الذي يرتديه تحته، والذي يحمل حرف «الدال» الذي هو أول حرف في كلمة «ديمقراطي».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»