قد ينتقم دونالد ترامب من المهاجرين غير المرغوب فيهم. وربما يتدفق الناخبون في جميع أنحاء أوروبا الغربية على الأحزاب القومية الشعبوية التي وعدت بحماية الشعب من الدخلاء الأجانب. ولكن في غضون عقد أو عقدين من الزمن، ستنخرط كل هذه البلدان في منافسة شرسة لاجتذاب أكبر عدد ممكن من المهاجرين. في العام الماضي، شرعت كندا في اعتقال 10 آلاف مهاجر يعملون في الولايات المتحدة بموجب تأشيرات H-1B للعمال ذوي المهارات العالية. لقد كانت تستغل سلسلة من عمليات تسريح العمال في وادي السيليكون والقاعدة الأميركية التي تقضي بضرورة مغادرة العاملين بموجب تأشيرة H-1B ، والذين تم تسريحهم، ولا يمكنهم العثور على وظيفة جديدة بسرعة.

وقد تتوقع الولايات المتحدة المزيد من هذا. إذ إن كندا، مثل معظم الدول الغنية، تعاني نقص العمالة. سواء أكان الأمر يتعلق بعلماء البيانات ذوي المهارات العالية، أو مساعدي الصحة المنزلية الحاصلين على شهادة الثانوية العامة، فإن النقص سيزداد سوءاً. علاوة على ذلك، كما اكتشف الكنديون على ما يبدو، فإن العالم على وشك النفاد من المهاجرين المستعدين لشغل هذه الوظائف. ووفقاً لأحدث التوقعات الصادرة عن الأمم المتحدة، فإن عدد السكان في سن العمل في البلدان المتقدمة - الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 64 عاماً -يتقلص بالفعل منذ فترة. وبحلول عام 2050، ستكون هذه الفئة أصغر بنسبة 10% مما كانت عليه في عام 2024، وهو انخفاض يصل إلى ما يقرب من 80 مليون شخص. لقد ظلت فئة من هم في سن العمل في اليابان تتقلص لسنوات عديدة، ويحدث نفس الشيء الآن في مختلف أنحاء أوروبا الغربية، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا.

ومن المتوقع أن يبدأ اقتصاد بريطانيا في الانكماش في عام 2029. تسير الولايات المتحدة على نفس المسار، وإن كانت متأخرة قليلاً. وتُظهر التوقعات الأساسية لمكتب الإحصاء أن عدد السكان في سن العمل - الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 64 عاماً وفقاً للمعايير الأميركية - لن يبدأ في الانخفاض إلا بعد عام 2050. ولكن، كما هو الحال في كندا، فإن المرونة النسبية لقوى العاملة الأميركية ترجع بالكامل تقريباً إلى الهجرة.

ووفقاً لسيناريو الهجرة الصفرية (الوصول بمعدلات الهجرة إلى الصفر) الذي وضعه مكتب الإحصاء  ــ فإن عدد سكان الولايات المتحدة بالكامل سيبدأ في الانكماش في العام المقبل. وتتقلص الفئة في سن العمل بنحو 4.2 مليون شخص بين عامي 2025 و2030، وبواقع 5.7 مليون إضافي على مدى العقد التالي، وبنحو 8.5 مليون آخرين في العقد الذي يليه. يؤدي الانخفاض في عدد السكان في سن العمل إلى ظهور مشاكل. ولابد أن يؤدي إنتاج عدد أقل من العمال إلى تأثر الاقتصاد الذي يضم مجموعات أكبر من المتقاعدين. ومع ميل كبار السن إلى الادخار بشكل أقل، فإن معدل الادخار ينحدر عموماً، الأمر الذي يؤدي إلى تثبيط الاستثمار، وفي نهاية المطاف نمو الإنتاجية. وتتطلب الشيخوخة أيضاً زيادة الإنفاق على الصحة ومعاشات التقاعد، وهو ما يرهق الميزانيات الحكومية. يشير «تشارلز كيني» من مركز التنمية العالمية إلى أن الانخفاض المطلق في عدد السكان العاملين يمكن أن يسبب المزيد من الضرر من خلال تحويل بعض الصناعات كثيفة العمالة إلى استثمارات غير مجدية بسبب عدم توفر المعروض الضروري من العمالة.

وبالنظر إلى البلدان التي بدأ فيها الانكماش بالفعل، وجد كيني وزميله الباحث «جورج يانج» أن البلدان المتضررة من انخفاض عدد السكان في سن العمل تشهد انخفاضاً كبيراً في نمو الناتج المحلي الإجمالي والناتج المحلي الإجمالي للفرد، فضلاً عن انخفاض الإيرادات الضريبية، وانخفاض عائدات الاستثمار. وربما تعمل الأتمتة التي يغذيها الذكاء الاصطناعي على التعويض عن تقلص قوة العمل وتعزيز نمو الإنتاجية. ولكن حتى الآن، لا يوجد سوى القليل من الأدلة على ذلك خارج القطاعات الضيقة مثل التصنيع.

ولسد هذه الفجوة، ستضطر البلدان الغنية إلى إعادة النظر في عدائها تجاه المهاجرين. وبدلاً من محاولة إبعاد المهاجرين، ستكون المشكلة في كيفية العثور عليهم. ومن المرجح أن يكون العثور على هؤلاء الأشخاص أكثر صعوبة مما توحي به الزيادة الحالية في الهجرة. حتى الآن، كانت أداء الولايات المتحدة جيدا في جذب الناس. وكان المهاجرون وأطفالهم المولودون في الولايات المتحدة يمثلون الزيادة الكاملة في القوى العاملة الأميركية منذ مطلع القرن.

ولولاها لكان عدد العمال في مقتبل العمر ــ الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و54 عاماً ــ قد تقلص بما يزيد على 8 ملايين نسمة. إن القفزة في الهجرة التي تثير ذعر الناخبين الأميركيين ــ التدفق الصافي لنحو 3.3 مليون شخص في عام 2023 من متوسط ​​سنوي قدره 900 ألف شخص في الفترة من 2010 إلى 2019 ــ أضافت عُشر نقطة مئوية إلى النمو الاقتصادي السنوي. وتشير تقديرات مكتب الميزانية بالكونجرس إلى أن ارتفاع معدلات الهجرة سيضيف نحو 7 تريليونات دولار إلى الاقتصاد بين عامي 2023 و2034. ومع ذلك، سيصبح المهاجرون أكثر ندرة في المستقبل. صحيح أن الهجرة من البلدان شديدة الفقر تتزايد كلما أصبحت أكثر ثراء. وتفسير ذلك هو أن التنقل يتطلب موارد - المال لشراء تذكرة طائرة أو الدفع للمهرب - مما يجعل ذلك بعيداً عن متناول الفقراء، لكن الهجرة لا تستمر في التزايد إلى الأبد.

في الواقع، بعد نقطة تحول معينة في الرخاء، تبدأ الهجرة في الانخفاض، حيث يجد المهاجرون المحتملون خيارات أفضل في وطنهم. علاوة على ذلك، فإن بعض هذه البلدان الفقيرة تعاني أيضاً الشيخوخة. ووفقاً للأمم المتحدة، سيبدأ إجمالي عدد السكان في سن العمل في العالم النامي في الانخفاض. ربما ستكون الروبوتات ذاتية الذكاء الاصطناعي جيدة بما يكفي في مرحلة ما للقيام بالتمريض والتربية التي سنحتاجها جميعاً، ولكن أراهن أننا من الآن وحتى ذلك الوقت سنندم على الفرصة التي ضحينا بها من أجل كراهية الأجانب.

إدوارد بورتر*

*كاتب أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»