تجمع الإمارات والصين وكوريا الجنوبية الكثير من المشتركات، أبرزها أنها ثلاث تجارب ناجحة في التحديث، وثلاثة نماذج تسابق الزمن في التنمية، يتشارك البلدان الثلاثة فهماً خاصاً لفكرة الحداثة المنفتحة على العالم، مع المحافظة على القيم، والتقاليد، والثقافة الأصيلة. ولكن الأهم من ذلك، أن هذه الدول تعتبر نماذج للأمل لكل الشعوب والأمم التي تتطلع إلى التقدم. في حضرة هذه البلدان الثلاثة، يمكن التفكير في السنوات القليلة التي استطاعت فيها كل دولة أن تحجز لها مكاناً مميزاً في عالم لا يعترف إلا بالنجاح، والمثير للإعجاب هو أن هذه البلدان تنتمي إلى الشرق جغرافياً، مما يوحي بعودة روح الحضارة التي غابت عن هذا البعد الجغرافي لقرون طويلة.

وحكاية كل بلد تحتاج إلى قراءات ودراسات حتى يستفاد منها، مؤكدة أن الشرق قادر على البروز والتقدم إذا توفرت الرؤية، والإرادة، والتوظيف الأمثل للثروات والموارد.هذا الوعي بالمشتركات الهيكلية هيمن على علاقة الإمارات بالصين منذ عام 1989، حينما زار الرئيس الصيني «يان شانغ كون» الإمارات، وفي العام التالي، قام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بزيارة الصين، وكانت هذه الزيارة الأولى لقائد خليجي، ما يؤكد القدرة على استبصار المستقبل الواعد آنذاك، كانت الصين تخطو خطواتها الأولى لتصبح قوة عالمية مؤثرة، بينما كانت الإمارات في مرحلة التأسيس، تحولت الصين في أقل من عقدين إلى قطب عالمي، وأصبحت الإمارات خلال الفترة نفسها مركزاً إقليمياً يتطلع إليه الجميع.

تأتي زيارتا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، إلى الجمهورية الكورية والصين، تأكيداً لهذه المشتركات، فهاتان الزيارتان ليستا الأولى لصاحب السمو إلى الدولتين الصديقتين، ولكن الزيارتين تأتيان في سياق البوصلة، والرؤية، والتوجه نفسه، لتدعيم الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية بين الإمارات وكل من كوريا والصين، فضلاً عن تعزيز الأوضاع السياسية والسلم العالمي. خلال زيارة صاحب السمو رئيس الدولة إلى الصين، تلبية لدعوة الرئيس شي جين بينغ، احتفل القائدان بمرور 40 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وهي مناسبة للاحتفاء على المستويات كافة، ففي هذه العقود الأربعة حققت الدولتان إنجازات فاقت كل التوقعات، ونمت العلاقة بينهما بمتوالية متسارعة، حتى باتت دولة الإمارات الشريك التجاري العربي الأول للصين، وبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بينهما 284 مليار درهم في عام 2022، بنمو سنوي قدره 27%، كما أن بكين هي ثالث أكبر مستثمر أجنبي في الإمارات، برصيد يقترب من 10 مليارات دولار.

أما جمهورية كوريا، فتعد الإمارات الشريك التجاري الثاني عربياً لهذا البلد المتفوق في قطاعات الاقتصاد الجديد، وتعتزم الإمارات استثمار 30 مليار دولار في كوريا، بمجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة، علماً بأنها ثاني أكبر مصدر للنفط إلى كوريا، لهذا التحرك الدبلوماسي الزخم وهذه العلاقات التجارية الوطيدة مغزى ودلالة كبيرة. نحن عندما نعجب بتجربة كل من الصين وكوريا، وندعو إلى دراستها، علينا أن نفخر بأن هذا التوجه الموزون للبلدين نحو الإمارات يعبر عن ثقة بمكانة الإمارات وقدراتها الاقتصادية، ورؤيتها الاستراتيجية، واحترام لا حدود له لقادتنا، وفي مقدمتهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي لا يدخر جهداً لرفع علم الإمارات عالياً خفاقاً في المحافل الدولية.

خطوات وتحركات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الخارجية تمنح كل واحد منا الشعور بالثقة، وتزرع فينا ابتسامته الهادئة إحساساً حقيقياً بالأمن والطمأنينة، وهو القائد الذي لن يهدأ إلا وهو يحقق لدولة الإمارات الصدارة والتميز والريادة في كل المجالات، ويؤكد للعالم بأكمله أن الإمارات وطن السلام، والتنمية، والتقدم، وتتجه شرقاً إلى فضائها الجغرافي الطبيعي، ورئيسها يقوم بزيارتين تاريخيتين لدعم هذا التوجه، لتتضافر جهود توجيه رياح الشرق حتى يعود مجدداً إلى واجهة الحضارة على أسس سياسية، واقتصادية، وثقافية، فضلاً عن تأسيس شراكات إنسانية لا تقوم على الصراع، أو النزاع، أو الهيمنة، بل تستهدف خير الإنسان، ووضعه الاقتصادي، ووجدانه الثقافي، وإحساسه بالآخرين. وتحت راية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يبقى درس الإمارات الأبقى في علاقاتها بالصين وكوريا. «اطلبوا الأمل في الشرق».

*كاتب يمني