ترجمت دولة الإمارات رؤيتها في إقامة أفضل العلاقات مع الأشقاء والأصدقاء في مختلف أنحاء العالم، واقعاً عملياً، من خلال سياسة خارجية فاعلة، نجحت في ترسيخ التعاون المشترك البنَّاء معها، وهو ما أسهم في تأسيس المكانة المتميزة التي تتمتع بها الدولة على الصعيدين الإقليمي والعالمي. وفي الواقع، فإن نهج الإمارات في تأسيس علاقات قوية مع الجميع، أرسى دعائمه القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ويتعزز هذا النهج ويترسخ بقوة على يد قائد المسيرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وينطلق بالدولة نحو بناء مزيد من العلاقات الاستراتيجية مع مختلف الدول، وفي مقدمتها القوى الكبرى. وفي هذا الإطار، جاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لجمهورية كوريا، يوم الثلاثاء الماضي، والتي استغرقت يومين، وأسفرت عن ترسيخ التعاون القائم بالفعل بين الدولتين، من خلال اتفاقيات جديدة، منها اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة لتحرير التجارة بين الدولتين، لتكون دولة الإمارات بذلك أول دولة عربية توقع اتفاقية تجارة حرة مع كوريا.
وتعد الإمارات الشريك التجاري الثاني خليجياً وعربياً لجمهورية كوريا خلال عام 2022، وقد بلغ حجم التجارة الخارجية غير النفطية بين الدولتين 3.4 مليار درهم (917 مليون دولار) خلال شهري يناير وفبراير عام 2023، محققاً بذلك نمواً نسبته 9% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022. كما وصل هذا الحجم إلى 19.5 مليار درهم (5.3 مليار دولار) خلال عام 2022 بنسبة نمو بلغت 14% مقارنة بعام 2021. كما تعد الإمارات ثاني دولة مصدّرة للنفط إلى جمهورية كوريا، وثاني مستورد منها في منطقة الشرق الأوسط. ويمثل سوق الإمارات منذ عام 2018 الوجهةَ الأكبر عالمياً لشركات البناء الكورية، وكذلك تمثل الإمارات أكبر مستورد للسلع الكورية في الشرق الأوسط، وتستحوذ على 27% من حجم تجارة كوريا مع العالم العربي. ومما لا شك فيه أن زيارة صاحب السمو رئيس الدولة إلى جمهورية كوريا، جاءت لتشكل قوة دفع استراتيجية للعلاقات الثنائية بين الدولتين. ولم تقتصر هذه الزيارة على لقاء المسؤولين الكوريين فقط، فقد التقى سموه خلال هذه الزيارة بأبنائه وبناته الطلبة المواطنين هناك، حيث أكد على دورهم الحيوي في تعزيز نهضة دولتهم وتحقيق طموحاتها من خلال التسلح بالعلم والحفاظ على الهوية الوطنية.
وفي سياق متصل، جاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلى الصين، تلبية لدعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ، كتأكيد جديد على الأهمية التي توليها دولة الإمارات لتنويع تحالفاتها الدولية مع أقطاب السياسية الدولية. وقد تضمنت هذه الزيارة بحث العلاقات الثنائية ووجوه التعاون المشترك بين الدولتين في مختلف الجوانب والمجالات، وذلك احتفالاً بمرور 40 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وهي علاقات قوية راسخة تقوم على تعزيز أسس التنمية الشاملة والازدهار المستدام. وشهدت الزيارة توقيع 19 مذكرة تفاهم واتفاقية تعاون في مجالات مختلفة، منها: الاستثمار، والإعلام، والصناعة، والسياحة، والصحة، والثقافة، والتعليم العالي، والملكية الفكرية، والطاقة الخضراء، والعلوم والتكنولوجيا، والتسامح والتعايش، والاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
والجدير بالذكر أن دولة الإمارات تعد الشريك التجاري العربي الأول للصين خلال 2023، كما تعد مشاركاً فاعلاً في مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، لما تتمتع به من مقومات وقدرات تنموية وموقع استراتيجي ودور اقتصادي ريادي في المنطقة. إن الزيارات الرسمية التي يقوم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تؤكد حرص الإمارات على بناء أفضل العلاقات الخارجية مع مختلف دول العالم، وهي تعكس النهج الإماراتي الراسخ في تعزيز التعاون المشترك، في عالم لا يخلو من تحديات جسيمة، ويحتاج فيه الجميع إلى تكاتف الجهود وتضافرها، لإرساء دعائم السلام والاستقرار، وتحقيق التنمية والازدهار للشعوب.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.