شهدت الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الأخيرة توتراً سياسياً متزايداً وعرفت تعمقاً للانقسامات الاجتماعية فيها، خاصة في ما يتعلق بقضايا العرق. واستخدم الحزب الديمقراطي نظريةَ العرق كجزء أساسي من استراتيجياته الانتخابية، مما أثار نقاشات حادة حول تأثير ذلك على الديمقراطية والمجتمع الأميركيين. لكن كيف يؤثر هذا النهج على منطقة الشرق الأوسط؟ هذا السؤال يتطلب فحصاً دقيقاً لتداعيات فوز الحزب الديمقراطي وسياساته العرقية على السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط. في صيف عام 2023، ألقى الرئيس جو بايدن خطابات مثيرة للجدل سلطت الضوء على التوترات العرقية في الولايات المتحدة، إذ تحدث في هذه الخطابات عن «حساب على أساس العرق»، وعن أهمية سياسات التنوع والتمييز الإيجابي والمساواة والشمول.. مما أثار استياء العديد من معارضيه الذين رأوا في ذلك محاولة لتأجيج الانقسامات العرقية والسياسية. وبينما ركزت هذه الخطابات على القضايا الداخلية، فإن النهج العام للإدارة «الديمقراطية» قد تكون له تداعيات على السياسة الخارجية الأميركية.
إن استخدام الحزب الديمقراطي نظريةَ العرق في سياسته الداخلية للفوز في الانتخابات والسيطرة على مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، سيؤثر بالتأكيد على سياسته الخارجية، بما في ذلك تجاه الشرق الأوسط. وأولى التداعيات الناتجة عن ذلك ستكون زيادة الضغط من الإدارة «الديمقراطية» من أجل التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة من خلال التركيز على «حقوق الإنسان» و«حقوق الأقليات».. إلخ. ومثل هذا النهج قد يخلق توترات دبلوماسية مع بعض الدول التي ترفض ضغوطاً في هذا المجال. كذلك قد تضغط الإدارة «الديمقراطية» لدعم الحركات المطالبة بالديمقراطية في الشرق الأوسط بشكل أكبر، بما في ذلك الضغط من أجل السماح بمشاركة أحزاب دينية مؤدلجة في العمليات الانتخابية والديمقراطية في بعض بلدان المنطقة، وتشجيع الحركات الشبابية والمنظمات غير الحكومية التي تسعى للتغيير الاجتماعي.
وقد تؤدي سياسات «الديمقراطيين» أيضاً إلى تبنِّي مواقف أكثر إنسانية تجاه اللاجئين والمهاجرين من الشرق الأوسط، بهدف استخدامهم في نشر نظرية العرق، مما سيصب في مصلحة الحزب الديمقراطي خلال الانتخابات الأميركية. لكن استراتيجيات بايدن في هذا المجال تعرّضت لنقد واسع في الداخل الأميركي نفسه، حيث اعتبر البعضُ أن خطابه يهدف إلى تعزيز الكراهية والانقسام بدلاً من الوحدة. ويشير الكاتب السياسي أوريل كولناي إلى أن استخدام «دِين العِرق» لتبرير الشمولية يمكن أن تكون له تأثيرات سلبية، مما يخلق انقسامات داخلية تؤثر على قدرة الولايات المتحدة على العمل كوحدة متماسكة. استخدام الحزب الديمقراطي نظريةَ العرق في استراتيجياته الانتخابية يعكس تحولاً في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع قضايا العرق والحقوق المدنية.
هذا التحول لا يؤثر فقط على السياسة الداخلية، بل يمتد تأثيره إلى السياسة الخارجية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط من خلال التركيز على ملف حقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن الانقسامات الداخلية في الولايات المتحدة، خاصة مع رفض شريحة كبيرة استخدامَ نظرية العرق لتبرير الشمولية، قد تؤثر على قوة وتأثير الولايات المتحدة في سياستها الخارجية.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي