كثفت دولة الإمارات نشاطاتها خلال الأسبوعين الأخيرين على مختلف الأصعدة لدعم الأشقاء الفلسطينيين انطلاقاً من الحرص الثابت على أولوية القضية الفلسطينية ومركزيتها في السياسة الخارجية الإمارتية، وقد تجلت هذه الجهود عبر ثلاث مسارات متوازية هدفت إلى تلبية الطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني، وتركزت في:
- المسار القانوني والدولي: عبر التصويت التاريخي في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدعم العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، ويعزز حقوقها وامتيازاتها في جميع أجهزة المنظمة الدولية، ذلك الجهد الذي قادته الدبلوماسية الإماراتية بصفتها رئيسة المجموعة العربية طوال شهر مايو. إذ أوصى القرار«بأن يعيد مجلس الأمن النظر بشكل إيجابي في المسألة، في ضوء هذا القرار وفتوى محكمة العدل الدولية المؤرخة في 28 مايو 1948، وبما يتفق تماماً مع المادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة». وقد أكّد مندوب الإمارات في الأمم المتحدة السفير محمد أبوشهاب، خلال اجتماع الجمعية العامة للتصويت على مشروع القرار، أنّ فلسطين أثبتت التزامها بكل القوانين الدولية، مشدداً على أنّ إسرائيل ضربت بكل الاتفاقات الدولية عرض الحائط، وصرحت جهاراً برفضها لحل الدولتين، مشيراً إلى أنّ الشعب الفلسطيني يستحق فرصة المساهمة بفعالية في خدمة الإنسانية عبر الأمم المتحدة.
المسار الثاني هو مسار نزع الشرعية عن أي خطوات تتخذها أو ستتخذها إسرائيل تجاه اليوم التالي للحرب التي تشنها في قطاع غزة أو تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام لا تستجيب أو تتوافق مع المصالح الفلسطينية، من هنا جاء استنكار سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشأن دعوة دولة الإمارات للمشاركة في إدارة مدنية لقطاع غزة القابع تحت الاحتلال الإسرائيلي، وشدد سموه على أن نتنياهو لا يتمتع بأي صفة شرعية تخوله باتخاذ هذه الخطوة، مشيراً إلى أن دولة الإمارات ترفض الإنجرار خلف أي مخطط يرمي لتوفير الغطاء للوجود الإسرائيلي في قطاع غزة. وهنا لا بد من التأكيد على أن إسرائيل لطالما حاولت الزج باسم الدول العربية، ومن بينها دولة الإمارات، في مشاريعها ومخططاتها لشرعنة الوجود الإسرائيلي في قطاع غزة، تلك المخططات التي يعوزها الحق والإيمان بالسلام والانصياع للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والهيئات الدولية، حيث لا يمكن لدولة الإمارات أن تقبل من حيث المبدأ الدخول في مناقشة مستقبل غزة دون ضمانات بأن تؤدي هذا الطروحات لوقف الحرب وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وفقاً لمقررات الشرعية الدولية في هذا السياق. ولا يعد امتناع دولة الإمارات عن المشاركة في وضع تصورات مرحلة ما بعد الحرب، نأياً بالنفس أو إحجاماً عن مواجهة الحكومة الإسرائيلية، بل هو امتناع مشروط بتشكيل حكومة فلسطينية تلبي آمال وطموحات الشعب الفلسطيني الشقيق، وتتمتع بالنزاهة والكفاءة والاستقلالية، كما بيَّن سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، بأوضح صوره.
المسار الثالث هو السياسة الاستباقية التي تنفتح على الرؤية المعتدلة داخل النظام السياسي الإسرائيلي والتي تختلف وتتعارض مع توجهات الحكومة اليمينة المتشددة برئاسة نتنياهو والتي تضم عناصر متطرفة لا ترى في إقامة دولة فلسطينية حقاً مشروعاً للشعب الفلسطيني، وتؤمن بالاستيطان لتكريس وتثبيت حقائق على الأرض، وتقوض بسياساتها حل الدولتين. في هذا الصدد، كان استقبال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، لزعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد في أبوظبي، خطوة أخرى نحو استغلال التباينات في المجتمع الإسرائيلي وتوظيفها لصالح الفلسطينيين ولدعم تيارات الاعتدال في أي حكومة إسرائيلية مستقبلية وصولاً لإطلاق مفاوضات لتحقيق السلام العادل والشامل. تظهر المسارات المتوازية آنفة الذكر، جهد دولة الإمارات متعدد المستويات لدعم حقوق الشعب الفلسطيني بكل الأدوات والسبل الممكنة، وتمثل ممارسة سياسية ودبلوماسية غير تقليدية، تتجاوز رد الفعل والاستجابة الآنية إلى العمل الاستباقي والتحوطي.
* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.