لم تكن ليلة الحادي عشر من مايو 2024 ليلة عابرة في دولة الإمارات العربية المتحدة بمقدار ما كانت ليلة ملحمية انشغلت فيها الدبلوماسية بأقصى إمكاناتها لتحقق هدف منح العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية في هيئة الأمم المتحدة، المقترح الإماراتي يجسد منهجاً واضحاً في الالتزام منذ عهد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في أن يحصل الشعب الفلسطيني في حق تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، كل المواقف السياسية كانت تبنى على هذا الحق حتى مع كل المتغيرات التي طرأت على المنطقة أبقت الإمارات عيونها مفتوحه وعملها ليتحقق للشعب الفلسطيني الشقيق استحقاقه العادل.
كانت عضوية الإمارات في مجلس الأمن الدولي فرصة للدبلوماسية أن تقترب من صنّاع القرارات العالمية، ومن بعدها أظهرت الإمارات شخصية سياسية اتسمت بالمبادرة في تقديم المواقف، حاولت في أكثر من مناسبة دعوة مجلس الأمن الدولي للتصويت على وقف الحرب في غزة، وإيصال المساعدات الإنسانية، ومع كل مرة تحبط فيها المحاولة تعاود الإمارات تقديم ورقة أخرى، مع الإحباط السائد في مجلس الأمن اتخذت القيادة السياسية الإماراتية قراراً بما أصدره صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بإطلاق عملية «الفارس الشهم3»، لتكون جسراً إغاثياً لم يتوقف تدفقه تحت الظروف كافة، براً وبحراً وجواً، لإيصال ما يمكن إيصاله للملهوفين في قطاع غزة. في مقابل ذلك.
كان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد أول من استجاب للموقف المصري والأردني، برفض تهجير الشعب الفلسطيني حتى لا تتم تصفية القضية ويبقى الشعب على أرضه، رغم الضغط السياسي الهائل في المواقف، الإماراتيون كانوا أكثر تصميماً على انتزاع ما يمكن أن ينتزع، جاء المقترح الإماراتي ليكون ورقة تصوت عليها الأمم المتحدة لقبول فلسطين دولة كاملة العضوية بعد أن كانت تحمل صفة مراقب منذ عام 2012.
القرار الحاسم حمل قوة التأثير السياسي لدولة الإمارات، وقدمه بصفتها رئيسة المجموعة العربية في هيئة الأمم المتحدة، وكان الرهان على أن للإمارات قوة تأثير سياسي يمكن بها أن يمرر القرار، وهو ما حصل في التصويت العلني الذي نال تأييد 143 عضواً مقابل اعتراض 9 أعضاء وامتناع 25 عن التصويت؛ بذلك تحقق واحد من أهم المستهدفات السياسية بما تمتلكه الإمارات من قوة ورصيد كبير عند دول العالم.
رمى الإماراتيون بثقلهم في ليلة فلسطين؛ لأنهم يدركون أن انتزاع هذا الحق أفضل من استمرار الآخرين في لعن الظلام.ولم تكد الليلة الحاسمة أن تنتهي حتى جاء وزير الخارجية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان بموقف شجاع رافض لدعوة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتينياهو للمشاركة في إدارة مدنية لقطاع غزة، الذي يخضع للاحتلال الإسرائيلي، ومؤكداً ضرورة تشكيل حكومة فلسطينية تُلبي آمال وطموحات الشعب الفلسطيني، وأن الإمارات ستكون على أتم استعداد لدعم تلك الحكومة، عندما تتمكن من تحقيق النزاهة والكفاءة والاستقلالية، وبهذا تكون أبوظبي قد عبرت بقوة عن واحد من مرتكزاتها، ألا وهو رفض الاحتلال بالقوة، فهذا مبدأ أساسي وركن من أركان سياستها. الليلة الملحمية الإماراتية سيسجلها التاريخ، وهي أيضاً تعبر بما هو جدير أن ينظر إليه في الدبلوماسية التي تستثمر في الفرص المواتية وتعرف متى هي توظف ما تتملكه من رصيد الاحترام والتقدير عند دول العالم.
ما اكتسبته القيادة الإماراتية من القوة السياسية تستثمره في نفوذها لتحقيق أهداف الشعوب العربية، وتحقيق العدالة لقضاياهم. إنها ليلة من ليالي المجد الإماراتية الكبيرة سترافق فلسطين، كلما ذكرت الدولة ستذكر أنها جاءت من أفعال عيال زايد الخالدة.
*كاتب يمني