تُعدُّ مجهودات دولة الإمارات للحد من التلوث البلاستيكي نموذجاً قابلاً للاستفادة منه وتطبيقه إقليميّاً وعالميّاً، حيث تكمن مشكلة التعامل مع البلاستيك في كونه مادةً حيويَّةً وضرورية وكثيفة الاستخدام في حياتنا اليومية، فالألبان والعصائر والأغذية والطرود التي تصلنا يوميّاً تأتي معبّأة أو مغلفة في البلاستيك، ودونها تفسد مئات الملايين من أطنان المواد الغذائية مسببةً تهديداً للأمن الغذائي العالمي. والبدائل المتاحة للبلاستيك محدودة الاستخدام ولديها مشكلاتها الجدية أيضاً، فالأكياس المنتجة من الأقمشة، على سبيل المثال، عالية التكلفة وذات بصمة كربونية عالية.
ومعظم المواد البلاستيكية لا تختفي تماماً، وإنما تنقسم إلى قطع أصغر من اللدائن الدقيقة التي تدخل إلى جسم الإنسان من خلال الاستنشاق والامتصاص، وتتراكم في الأعضاء. وما يزيد من الخطورة أن إنتاج البلاستيك مرشح للتضاعف ثلاث مرات بحلول عام 2060، وتحتاج منتجاته إلى 400 عام لتتحلل بشكل طبيعي، ويُنتج العالم منه نحو 400 مليون طن من النفايات سنوياً.وتقدم دولة الإمارات تجربة ناجحة في معالجة هذه الإشكالية، من خلال وضع منظومة متكاملة من القرارات والاستراتيجيات التي وضعتها في صدارة الدول الملتزمة بمكافحة التلوث البلاستيكي على جميع المستويات، من خلال تطبيق نهج شامل ومستدام ودائري، بدايةً من الجانب المؤسسي الذي يتضمن وضع الاستراتيجيات والخطط التي تستهدف التخلص من البلاستيك، وصولاً إلى إجراءات وقرارات ناجعة.
ومن بين هذه الإجراءات التي بدأتها الدولة مبكِّراً، اعتماد مواصفة قياسية إلزامية بشأن خصائص الأكياس البلاستيكية وغيرها من منتجات البلاستيك القابل للتحلل، وإصدار قرار مجلس الوزراء رقم 40 لسنة 2009، الذي يقضي بالتحول إلى أكياس قابلة للتحلل، والقرار الوزاري رقم 451 لسنة 2011 بشأن إلزام مصنعي الأكياس البلاستيكية وموردي الأكياس البلاستيكية بتسجيل منتجات الأكياس القابلة للتحلل. وتم تسجيل 117 مصنعاً في «هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس» سابقاً بنسبة 97.5 بالمئة، وحصل 89 مصنعاً منها على شهادة المطابقة الإماراتية. كما تم إلزام مصنِّعي الأكياس البلاستيكية وموردي الأكياس البلاستيكية بتسجيل الأكياس البلاستيكية القابلة للتحلل، ومنع تسويق وتداول الأكياس البلاستيكية غير القابلة للتحلل بدءاً من عام 2012، وذلك بإصدار قرار وزاري في هذا الشأن. وبالنظر إلى الدور المحوري للبيانات في وضع الخطط والمبادرات المستقبلية التي تفضي إلى تحسين الوضع الراهن في الدولة، فقد أنشأت وزارة التغير المناخي والبيئة قاعدة بيانات وطنية إلكترونية خاصة بالنفايات، وأطلقتها رسمياً في يونيو 2018، حيث تسعى القاعدة إلى توفير البيانات الخاصة بمختلف أنواع النفايات المتولدة من خلال نظام إلكتروني يربط جميع السلطات المختصة بإدارة النفايات في الدولة، ويتم من خلالها تسجيل كميات النفايات المتولدة ونسبة معالجتها حسب طرق المعالجة المختلفة.
ومن جانب آخر، فقد توالى سَنُّ تشريعات ذات طابع تصاعدي للحد من استهلاك البلاستيك أحادي الاستخدام، إذ صدر القرار الوزاري رقم 380 لسنة 2022 بتنظيم استخدام المنتجات ذات الاستخدام الواحد في أسواق الدولة، ليشكل أحد الإجراءات المهمة في حماية البيئة من التلوث الناتج عن استهلاك مثل تلك المنتجات، حيث يحدّ القرار من استهلاك الأكياس البلاستيكية، وينظم إنتاج واستخدام المنتجات ذات الاستخدام الواحد، ويحظر استيرادَ أو إنتاج أو تداول أكياس التسوق البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد من 1 يناير 2024 اتحادياً، متضمنةً الأكياس القابلة للتحلل. كما يحظر استيراد الأكياس ذات الاستخدام الواحد، أو إنتاجها، أو تداولها، مهما كانت المواد المصنوعة منها. وعلى المستوى المجتمعي، وضعت الدولة منظومة متكاملة لرفع الوعي العام لدى مختلف فئات المجتمع بأهمية الاستهلاك المستدام لهذا النوع من المنتجات، وتطبيق نظم الاقتصاد الدائري في التعامل مع النفايات البلاستيكية، عبر معالجتها وإعادة تدويرها، واستخدام أنواع قابلة للتحلل.