يشهد العالم منذ ما يزيد على عقد من الزمن تغيرات مناخية كبيرة ستجد لها انعكاسات مؤثرة، ليس على مستوى نمط المعيشة فحسب، وإنما على البيئة الاقتصادية أيضاً، لذا لا بد من الاستعداد لها بغيةَ تقليل الأضرار التي قد تخلِّفها.
وإقليم الخليج العربي والجزيرة العربية ليسا استثناءً من هذه التغيرات المناخية، حيث شهدت هذه المنطقة في السنوات العشر الأخيرة تطورات غير معتادة تمثلت في الأمطار الغزيرة والفيضانات والأعاصير في بيئة يعتبر معدل الأمطار فيها من بين الأقل من نوعه في العالم. ومن أحدث تلك التطورات الأمطار غير المعتادة الأسبوع الماضي، والتي شملت عُمان والإمارات والبحرين بصورة أساسية، حيث بذلت الدول الثلاث جهوداً كبيرة وناجحة للتقليل من الأضرار، بما فيها الخسائر الاقتصادية.
ومع ذلك، فقد حفلت منصات التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام التقليدي بحملات تشويه للحقائق، صاحبتْها فبركات للصور والفيديوهات، علماً بأن ما شهدته دول مجلس التعاون أقل بكثير مما لحق بدول أخرى (نامية ومتقدمة)، إذ تم بفضل سرعة الإجراءات وتوفر وسائل الإنقاذ والقدرة على محاصرة التداعيات في فترة زمنية قصيرة.. تقليل الخسائر إلى أقصى.
ولعل «بلومبيرج» قدمت تقييماً أكثر واقعية لهذه التطورات البيئية، حيث أرجعت الأسباب إلى «التغيرات المناخية التي تجتاح العالم»، مما يعني أن هناك مجموعة من العوامل يأتي في مقدمتها التغيير المناخي.
وبما أن دول المجلس تعاملات مع الأمطار الغزيرة الأخيرة بمهنية عالية وتمكنت من تجاوز آثارها بسرعة فائقة، فإن التغيرات المناخية المستجدة تتطلب استعداداً خليجياً جماعياً لتقيل آثارها في المستقبل، وذلك بالاستفادة من تجارب السنوات القليلة الماضية.
وبعيداً عن التهويل الذي يقوم به بعض المغرضين، فإنه لا غنى عن وضع منهجية للتعامل مع التغيرات المناخية القادمة، إذ قد لا تقتصر على الأمطار والفيضانات، بل ربما تشتمل على أمور أخرى، مثل ارتفاع درجات حرارة الجو، وكذلك ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات، وإمكانية تضرر بعض الجزر.. لا سيما أن معظم المدن الخليجية واقعة قرب السواحل.
وضمن هذه الاستعدادات، فإن الأمر يتطلب العمل على نطاق كل دولة وعلى النطاق الخليجي الجماعي ككل. وفي الجانب الأول، تمكنت دول المجلس من إقامة بُنى تحتية للاقتصاد والتنمية الاجتماعية تعد الأفضلَ من نوعها عالمياً، حيث تفرض التغيرات المناخية استكمالَ بعض الجوانب الخاصة بهذه البنى والتي لم تكن ملحة في السابق، لكن كثافة الأمطار ستتطلب إقامة شبكة لصرف مياه الأمطار في المدن الخليجية وربطها بالسدود أو بخزانات المياه الجوفية، وهو ما سيقلل من تداعيات الفيضانات وانعكاساتها على مختلف القطاعات، كما سيساعد على تعبئة مصادر المياه الجوفية لاستخدامها كاحتياطي استراتيجي باعتبارها ثروة مائية مهمة للغاية.
أما على مستوى العمل الجماعي الخليجي، فإن دول المجلس بحاجة إلى إقامة مراكز مشتركة لبحوث البيئة والتغيرات المناخية، لإعداد دراسات وتوقعات علمية حول التغيرات القادمة والاستعداد لها، إذ تعتبر المراكز المشتركة أكثر فعالية وجدوى من المراكز المحلية الخاصة بكل دولة بفضل توفرها على الإمكانيات المادية والبشرية، إذ لا يمكن الاكتفاء في هذا المجال بالتقارير المختصرة التي تعدها مراكز الأبحاث الأجنبية.
وبمثل هذه التوجهات الملحة ستتمكن دول المجلس من معالجة التداعيات المتوقعة والاستعداد لها مستقبلا، بالاعتماد على دراسات علمية محلية، وهو ما سيضيف نجاحاً جديداً للنجاح الحالي في التعامل مع الأحداث البيئية المستجدة ويقلل كثيراً من الخسائر التي قد تحدث بسبب التغيرات المناخية.
*خبير ومستشار اقتصادي