في خطاب محوري أمام الكونجرس، أشاد رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا بالولايات المتحدة، باعتبارها دولة «لا غنى عنها». كما عبّر عن تعاطفه مع الأميركيين «الذين يشعرون بالوحدة والإنهاك لكونهم الدولة التي دعمت النظام الدولي بمفردها تقريباً» على مدى العقود الماضية، مشدداً على أن اليابان مستعدة لتقاسم العبء مع الولايات المتحدة. قرابة عقد من الزمان مرّت على آخر زيارة دولة قام بها زعيم ياباني إلى الولايات المتحدة، وعلى ما يبدو، فإن «كيشيدا» يسعى لتعويض الوقت الضائع. ففي مأدبة عشاء رسمية بالبيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي، أُطعم سمك السلمون وشرائح اللحم وغنّى له الموسيقار الأسطوري بول سايمون. كما شارك في قمة أمنية ثلاثية تاريخية مع الرئيس بايدن ونظيره الفلبيني الرئيس فرديناند ماركوس الابن.
وطوال هذه الزيارة، كان يشير إلى أن اليابان أخذت تتخلى عن عقود من سياسة السلمية الرسمية لصالح الاضطلاع بدور أمني أقوى في آسيا. في هذه الزيارة، وقعت الولايات المتحدة واليابان عشرات الاتفاقيات الجديدة بشأن التعاون الدفاعي. وفي هذا الإطار، يعتزم جيشا البلدين إنشاء بنية قيادة مشتركة جديدة ستمكنهما من أن تواجها بشكل أفضل التهديدات المشتركة، كما سيقومان بمعية أستراليا بتطوير شبكة جديدة للدفاع الصاروخي الجوي في المحيط الهادئ.
وقال بايدن، عقب اجتماعات في البيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي: «إن هذا هو أهم تحديث في تحالفنا منذ أن تأسس أول مرة». وفي كلمة له أمام الكونجرس، قال «كيشيدا»: «على سفينة الفضاء المسماة الحرية والديمقراطية، تفخر اليابان بأن تكون زميلتكم على متن السفينة»، مضيفاً «إننا على ظهر السفينة، إننا على متنها، ونحن مستعدون للقيام بما هو ضروري». في الولايات المتحدة، أشار رئيس الوزراء الياباني إلى التحول الكبير الذي حدث في عهده، والمتمثل في تغير في الموقف الاستراتيجي لليابان والذي كان سلفه الراحل شينزو آبي أول من قاده. وفي هذا الصدد، كتبت زميلتي «ميشيل يي هي لي» تقول: «خلال العامين الماضيين، أقدمت اليابان على اتخاذ خطوات لم يكن من الممكن تصوّرها من قبل بهدف تعزيز قدراتها الدفاعية، بما في ذلك زيادة ميزانيتها الدفاعية إلى 2 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على مدى خمس سنوات، ما يجعلها ثالث أكبر ميزانية في العالم، والحصول على قدرات (الضربة المضادة) لضرب قواعد العدو بصواريخ بعيدة المدى». كيشيدا الذي ولد في مدينة هيروشيما والذي شدد على الحاجة إلى نزع السلاح النووي، ليس عسكرياً متهوراً.
ولكنه، كما قال في الكلمة التي ألقاها على الكونجرس الأميركي، ينظر إلى «موقف الصين الخارجي الحالي وأعمالها العسكرية»، باعتبارها «أكبر تحدٍّ استراتيجي، ليس للسلام والأمن في اليابان فحسب، ولكن لسلام واستقرار المجتمع الدولي ككل». وهو يعمل على تعزيز قدرة اليابان على الرد على هذا التحدي المتصوَّر. وفي هذا السياق، قال «دانيال راسل»، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، لصحيفة «واشنطن بوست»: «لقد انتبه إلى بعض العناصر المهمة في ثورة آبي وطوّرها بطرق خفية ودقيقة، واستطاع القيام بما لم يستطع آبي القيام به»، مضيفاً «إنه يتميز بسياسات وهالة تصنّف في معسكر الحمائم، ولكن ما يعنيه ذلك حقاً هو أنه يتمتع بالثقة على نحو لم يتمتع به آبي أبداً». اليوم، يضع «كيشيدا» اليابان في قلب «شبكة» من التحالفات التي تأمل الولايات المتحدة أن تدعم مصالحها في آسيا، كما يقول مسؤولو إدارة بايدن. ويشمل ذلك «الرباعية» التي تجمع اليابان وأستراليا والهند والولايات المتحدة، والتفاهمات الجديدة التي صيغت بين الفلبين والولايات المتحدة واليابان.
وفي هذا الصدد، كتب جيفري هورنانغ في مجلة «فورين أفيرز» يقول: «إن الكثيرين يصفون (الناتو) باعتباره تحالف الولايات المتحدة الذي لا غنى عنه، وهو يظل أولوية قصوى»، مضيفاً «ولكن بالنظر إلى التحول الجيوسياسي بمنطقتي المحيطين الهندي والهادئ، حان الوقت لجعل التحالف الأميركي- الياباني أكثر مركزية بكثير ضمن الاستراتيجية الأميركية الكبرى». وأكد هورنانغ أن الشراكة بين الولايات المتحدة واليابان يجب أن تكون «المحور» الذي ينبغي أن تدور حوله جميع «الدواليب» من هذه التجمعات الأخرى في المنطقة. وعلاوة على توسيع التعاون في مجال الدفاع، شدد كيشيدا أيضاً على القيم المشتركة بين اليابان والولايات المتحدة. وهذا أمر بالغ الأهمية في وقت يتزايد فيه الشعور بالإنهاك في الغرب بشأن متطلبات دعم أوكرانيا في مقاومتها للحرب في أوكرانيا واللامبالاة الواضحة بين دول «الجنوب العالمي». وفي هذا الإطار، دعا كيشيدا المشرّعين الأميركيين إلى الاستمرار في مساعدة كييف، في ظل تعطل مخصصات مالية جديدة في الكونجرس.
*صحافي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»