هل يمكن لليسار أن يكون سعيداً؟
في عام 2013، وصل تطور الثقافة اليسارية الحديثة إلى لحظة حاسمة عندما أدرك الكاتب والصحفي الأميركي «تا-نيهيسي كوتس»، وهو يقرأ كتباً عن ويلات الحرب العالمية الثانية وتداعياتها للمؤرخين «توني جودت» و«تيموثي سنايدر»، إنه الكاتب الذي حدد عمله حول العرق والحياة الأميركية نغمة مسار التقدمية طوال سنوات ترامب وحتى كتابه العظيم «الحساب العنصري» لعام 2020، حيث كان كوتس في ذلك الوقت قد هرب إلى الخيال بشكل يحسد عليه. وفي أزمة الإيمان التي يعاني منها، ورفضه للتفاؤل، ترى السؤال الذي ظل يخيم على الثقافة اليسارية طوال الفترة التي زاد فيها تأثيرها على العديد من المؤسسات الأميركية بشكل ملحوظ: هل يصح أن يكون اليساري سعيداً؟
إن المزاج اليساري بطبيعته أكثر تعاسة من البدائل المعتدلة والمحافظة، إذ أن رفض الرضا أمر ضروري للسياسة الراديكالية، والرغبة في أخذ معطيات العالَم وصنع شيء أفضل منها ستكون دائماً مرتبطة بالامتنان وبشعور أقلّ استياءً.
لكن يسار القرن العشرين كان له مرتكزان مختلفان تماماً في التفاؤل الأساسي: مسيحية تقاليد الإنجيل الاجتماعي الأميركي، التي أثّرت على ليبرالية «الصفقة الجديدة» وغرست حركة الحقوق المدنية، والقناعة الماركسية بأن المنطق الحديدي للتطور التاريخي سيؤدي في النهاية إلى المدينة الفاضلة الواثقة بالعلمية الاشتراكية! ما يلفت النظر في اليسار خلال عشرينيات القرن الحالي هو أنه لم يعد هناك أي مرتكز.
لقد أدت علمنة السياسة اليسارية إلى جعل ذلك النوع من التفاؤل الكوني المتأثر بالمسيحية، والذي لا يزال يميز حملة باراك أوباما في عام 2008 على سبيل المثال، يبدو على نحو متزايد غير ذي صلة أو يستحق التذلل. وفي الوقت نفسه، فإن إحياء الماركسية والاشتراكية لم يصاحبه أي انتعاش واضح للثقة في علم التاريخ الماركسي.
أعرف الكثير من الناس على اليسار الذين يعتقدون أن كارل ماركس كان على حق بشأن تناقضات الرأسمالية، وأعرف عدداً أقل بكثير ممن يشاركونه توقعه بأن الجدلية ستؤدي إلى جنة العمال. وبدلاً من ذلك، ينتابك خوف من أنه عندما تنهار «الرأسمالية المتأخرة»، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى سقوط كل شيء معها، وإحساس بأننا يجب أن «نتعلم كيف نموت» مع تفاقم أزمة المناخ، والاعتقاد بأن تفوق البيض هو خطيئة أصلية دون وعد واضح بالخلاص! بالنسبة لأصحاب العقول الصارمة، يمكن لتشاؤم الفكر أن يتعايش مع تفاؤل الإرادة.
ولا ينبغي أن يكون مفاجئاً أنه وسط الاتجاه الأخير نحو زيادة تعاسة الشباب، أصبحت فجوة السعادة بين اليسار واليمين أوسع من ذي قبل، أياً كان ما يجعل الشباب أكثر تعاسة (سواء كانت الهواتف الذكية أم تغير المناخ أم العلمانية أم الشعبوية)، فإن التأثير يكون أضخم كلما اتجهتَ إلى اليسار. ظهرت مؤخراً نظرية الهواتف الذكية التي تعمل على زيادة تعاسة الشباب، وذلك بفضل كتاب «جوناثان هايدت» الجديد، وعنوانه «الجيل القلق: كيف تتسبب عملية إعادة الأسلاك العظيمة للطفولة في حدوث وباء المرض العقلي». ومن المثير للدهشة أن بعض الانتقادات الموجهة إلى نظرية هايدت من جانب اليسار تعترض على فكرة أن تعاسة الشباب يمكن أن تكون أي شيء غير عقلاني وطبيعي.
لنأخذ على سبيل المثال المراجعة البارزة لمجلة «نيتشر» التي أعدتها الباحثة في مجال تنمية الطفل «كانديس إل. أودجرز»، والتي أشارت إلى «إمكانية» حصول الولايات المتحدة على الأسلحة، والتعرض للعنف، والتمييز الهيكلي والعنصرية، والتحيز والصعوبات الاقتصادية والعزلة الاجتماعية.. كبدائل سببية معقولة لتشخيص هايدت على وسائل التواصل الاجتماعي. وأشارت لهجة المراجعة إلى أن الأطفال يجب أن يكونوا مكتئبين بعض الشيء.
ألن تكون كذلك، إذا نشأت وسط عمليات إطلاق النار في المدارس والاضطرابات المتزايدة بسبب التمييز والعنف العنصري والجنسي؟ وللإجابة عن هذه التعاسة، مع عدم الإيمان بالعناية الإلهية وفي غياب الاشتراكية العلمية، لجأت أودجرز إلى العملية العلاجية، معربةً عن أسفها لندرة علماء النفس في المدارس لمساعدة الأطفال على معالجة أعراضهم وصراعاتهم المتعلقة بالصحة العقلية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
روس دوثات*
*محلل سياسي أميركي