تُعدُّ بيانات التجارة والاستثمار من ضمن أهم محددات قياس انفتاح الدول على الخارج، ومؤشراً لمدى قدرتها على التأثير الاقتصادي في محيطها الإقليمي، ومن ثم العالمي. وفيما يشير إلى تزايد الأهمية الاقتصادية للإمارات إقليميّاً وعالميّاً، فقد وصلت قيمة الأصول الإجمالية للاستثمارات الإماراتية في الخارج، سواء الحكومية أو الخاصة إلى نحو 2.5 تريليون دولار بنهاية عام 2023، وذلك بحسب تصريحات سعادة جمال بن سيف الجروان، الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج.
ويمكن النظر إلى هذا الحجم الكبير من الاستثمارات بالخارج في سياق رؤية أعمق وأشمل تتضمن التوسع في الأسواق وفتح أسواق جديدة، ويعززه تزايد اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة التي عقدتها الإمارات مع مختلف القوى الاقتصادية بالعالم، ومن بينها الهند وإندونيسيا وتركيا وكمبوديا، وقد دخلت بالفعل هذه الاتفاقيات حيز التنفيذ (وقعت الإمارات أول اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع الهند في فبراير 2022 ودخلت حيز التنفيذ في مايو 2022).
تتوزع تلك الاستثمارات في 90 دولة، أهمها الهند، وباكستان، ودول الآسيان، ومصر، والمغرب، ودول آسيا الوسطى، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وكندا، واليونان، وتركيا، والولايات المتحدة، وتتركز في قطاعات تشمل: النفط والغاز، والطاقة المتجددة، والأمن الغذائي، والزراعة، والصناعة، وتجارة التجزئة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والموانئ، والنقل والخدمات اللوجستية، والعقارات، والسياحة والضيافة، والرياضة، والترفيه، والقطاع المالي والمصرفي، والتكنولوجيا، وصناعة الطيران، وخدمات النقل الجوي، والتعليم، والتعدين، والبنى التحتية، والرعاية الصحية والصناعات الغذائية والدوائية والطبية.
الجدير بالذكر أن الإمارات تتصدر الدول الخليجية من حيث النشاط الاستثماري بالخارج، حيث تستحوذ على نحو 88% من الاستثمارات الخليجية بقارة أفريقيا، كما أنها رابع أكبر مستثمر بأفريقيا على مدى السنوات العشر الماضية، بعد الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. غير أن تراجع التمويل الصيني لمشروعات البنية التحتية، وانخفاض الاستثمارات الغربية، يمكن أن يتقدم بمرتبة الإمارات ضمن أهم المستثمرين بأفريقيا مستقبلاً. وقد بلغت الاستثمارات الإماراتية في أفريقيا ما يقرب من 60 مليار دولار، وتتركز في قطاعات: البنية التحتية والطاقة والنقل والخدمات اللوجستية. ويأتي مشروع «رأس الحكمة» في مصر، باستثمارات تبلغ نحو 35 مليار دولار، ليعزز النشاط الاستثماري للإمارات في أفريقيا (صفقة الاستثمار الأكبر في تاريخ مصر). كما تستحوذ الإمارات على نحو 74% من إجمالي الاستثمارات الخليجية في منطقة الآسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا وتضم 10 دول، من بينها: إندونيسيا وسنغافورة وماليزيا وفيتنام والفلبين وتايلاند). واستحوذت الإمارات على نحو 77% من استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في أميركا اللاتينية، وتركز معظمها في البرازيل والأرجنتين (أكبر اقتصادين بالقارة).
وانطلاقاً من أن التنمية الاقتصادية هي المصلحة الوطنية الأعلى للإمارات بحسب وثيقة «المبادئ الاقتصادية لدولة الإمارات»، يأتي التقدم في تنفيذ الرؤية الاستراتيجية الشاملة لدور الدولة في الاقتصاد الإقليمي والعالمي من خلال تتبع مسارات النمو في اتجاهات وحجم التجارة والاستثمارات الإماراتية بالعالم، وهو ما يسهم في تحقيق المبدأ الأول من المبادئ العشرة «اقتصاد منفتح على العالم بلا قيود»، والمبدأ الخامس «بناء اقتصاد مستدام ومتوازن والمحافظة على الموارد للأجيال القامة»، وهو النهج الذي تتبعه القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث انخفضت تدريجيّاً مساهمة النفط في الناتج الإجمالي لتبلغ نحو 28% لصالح قطاعات اقتصادية أخرى واعدة كاللوجستيات، والسياحة التي ارتفعت مساهمتها إلى نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات عام 2023.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية