«من المهم جداً التمييز بين الإسلام، وهو دين السلام الملهم للكثير من الأعمال الصالحة والعظيمة، وبين الإسلاموية، وهي آيديولوجيا محددة ترجع أصولها إلى جماعة (الإخوان المسلمين) التي أسسها أشخاص مثل حسن البنا وسيد قطب». هذه العبارة أعلنها وزير المجتمعات المحلية البريطاني مايكل غوف عبر خطاب ألقاه أمام برلمان بلاده الخميس الماضي، حيث أعلنت الحكومة البريطانية اعتزامَها محاسبة ثلاث منظمات إسلامية بتهمة التطرف، باستخدام تعريف جديد للتطرف الذي يأتي -بحسب الحكومة البريطانية -في سياق مساعي لندن لمواجهة التطرف وحماية الديمقراطية. ووفقاً للوزير البريطاني غوف فإن المنظمات الإخوانية الثلاث المستهدفة هي: «الرابطة الإسلامية في بريطانيا MAB» التي تأسست عام 1997، و«كيج إنترناشيونال» التي كانت تعرف سابقاً باسم «Cageprisoners» وأُسست في عام 2003، و«ميند» المعروفة باسم «المشاركة والتنمية الإسلامية» وتم تأسيسها في عام 2008. وأوضح غوف في خطابه أن هذه المنظمات الثلاث تحمل توجهات إسلامية تثير القلقَ والتوجس في معتقداتها بشأن التطرف وتهديد الديمقراطية في بلاده، ويهدف هذا التعريف إلى مكافحة ما وصفه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بأنه «سم» للديمقراطية، مستشهداً بالزيادة المروعة في الاضطرابات المتطرفة والإجرام والتي تهدد البلاد بالانتقال إلى «حكم الغوغاء، وأن هناك قوى في الداخل تحاول تمزيقنا»، وذلك خلال خطابه الموجه إلى البريطانيين في مقر الحكومة البريطانية بعد حالة الفوضى التي رافقت الاحتجاجات المستمرة بسبب أحداث السابع من أكتوبر التي استغلتها الأحزاب الإسلاموية في لندن لإطلاق الهتافات والشعارات المعادية للسامية، ولترويج منظمة محظورة، وللاعتداء على عناصر من أجهزة الطوارئ.. مما أثار حفيظةَ الحكومة البريطانية وجعَلها تستنفر طاقاتِها للحد من الفوضى والعنف.
تقع بريطانيا اليوم بين مطرقة الحفاظ على مبادئها بشأن حماية حرية التعبير والقيم الليبرالية، وسندان الجماعات والكيانات الإسلاموية التي تهدد أمنَها واستقرارَها، والتي تجاوزت عددها 60 منظمةً، مع تنامٍ كبير في أعدادها واستثماراتها، الأمر الذي صنع واقعاً مزدوجاً تتعين مجابهتُه قبل تمكُّن التطرف وانفجار العنف في بلد الحريات ووجهة أصحاب الأجندات السياسية المختلفة.
ويبدو جلياً أن أحداث السابع من أكتوبر واستغلالها من طرف المنظمات الإسلاموية لتنظيم المسيرات والاحتجاجات، كانت سبباً مباشراً لتقليم أظافر هذه الجماعات، وبالأخص التنظيم الإخواني الذي حاول بسْطَ نفوذه في بريطانيا عبر استغلال أنظمة الحماية البريطانية للمعارضين، ومن خلال انتحال شعارات الحرية والديمقراطية، أي الشعارات التي سمحت لجماعة «الإخوان» المسلمين بتسجيل حضورها في بريطانيا عبر أنشطة سياسية ظلت تزعم بأنها لا تتعارض مع توجهات الحكومة ومع أعمال المنظمات الشبابية والجامعية، علاو ة على الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية لبعض الجمعيات والمؤسسات الإخوانية، إلى جانب الأنشطة الدعوية التي هي مكمن الخطر الإخواني الأكبر كونها تسمح باستقطاب أبناء الجالية المسلمة وتأسيس مجتمع متطرف داخل المجتمع البريطاني بالترويج لنشر التطرف والعنصرية الدينية وتزايد جرائم الكراهية.. كل ذلك حدا ببريطانيا إلى فرض قيود تشريعية وأمنية لكبح التطرف والتطرف المضاد، اللذين سجلا معدلاً مرتفعاً بعد اندلاع حرب غزة.
ومن ذلك يبدو جلياً أن بريطانيا قررت -أخيراً- أن تواجه جماعة «الإخوان» بتفكيك شبكاتها وإخضاعها للقوانين والأنظمة الصارمة، بعد أن تراخت في ذلك خلال مرحلة «الربيع العربي»، رغم ما حصلت عليه من معطيات دقيقة سواء عبر تقرير اللجنة الحكومية التي ترأسها السفير البريطاني السابق لدى المملكة العربية السعودية السير جون جنكينغز أو من حلفاء بريطانيا الإقليميين.
*كاتبة سعودية