«القاعدة» في اليمن.. الجمرة تحت الرماد
إعلان «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» بفرعه في اليمن وفاة أو مقتل أو حتى إعدام زعيمه «خالد باطرفي»، يُعد تذكيراً بأن جمرة هذه الجماعة مازالت تحت رماد الحرب والسياسة، وكل ما يمكن أن يكون في هذه البلاد، أهمية التذكير بأن التنظيم المصنف عالمياً إرهابياً بل إنه أكثر التنظيمات خطورة والمهدد الأول للأمن العالمي لم ينته بعد في مهده. هذه الأهمية يجب استحضارها بكثير من الموضوعية فلا يجب وضع قضية «تنظيم القاعدة في اليمن» تحديداً تحت أطر خارج أطرها الصحيحة، حقيقة أن التنظيم موجود هي النقطة الرئيسية لتناول أن ما بذلّ لهزيمته تحقق لكنه لم يمت بعد.
لا حاجة للسردية حول متى وكيف نشأ التنظيم في اليمن، وكذلك لا حاجة لأحد بالبحث عن صراعات التنظيم الداخلية بمقدار الحاجة الضرورية للنظر إلى أن هناك تداخلات وفرت وتوفر وستوفر بيئة التنظيم كفكرة أيديولوجية، وبالتالي كقدرة على إعادة إنتاج ذاته كتهديد، الحوافز الداخلية في بلد فيه امتداد عميق لجماعة «الإخوان»، ومن هنا يبدأ تحديداً استيعاب أن المعضلة تظل قائمة بوجود الجماعة «الإخوانية» من خلال حضورها السياسي عبر ذراعها حزب «التجمع اليمني للإصلاح» كونه يحمل صفة سياسية «تُشرعّ» له العمل ضمن الدوائر السياسية على كافة المستويات بما فيها المستوى العسكري والاستخباراتي. استمرت جهود مكافحة الإرهاب في اليمن لأكثر من عقدين، والنتيجة أن التنظيم مازال باقياً، فهو وإنْ كان قد تلقى ضربات قاسية أضعفته غير أنه متمكن وبقوة في حواضنه الرئيسية مأرب والبيضاء وتعز والجوف، ولديه قوات عسكرية في وادي حضرموت.
مواجهة هذه الحقيقة تتطلب قدرة أخرى على التعامل معها، فلولا أن الإماراتيين دون غيرهم كانوا جادين في تعريفهم لجماعات «الإسلام السياسي»، لما تشكلت الأحزمة الأمنية والنخب «الحضرمية» و«الشبوانية» التي هي اليوم رأس الحربة في مواجهة الجماعات التكفيرية، من تحرير المكلا ثم تطهير أبين وشبوة ولحج وهزيمة «داعش» خاضت القوات الجنوبية معارك متعددة، أكسبتها القوة والقدرة في التعامل الميداني مع هذه التنظيمات، ولم تكن عملية «سهام الشرق» غير صورة واضحة لمدى تلك القوات على إنجاز مهماتها. ها نحن عند نقطة تقدير موقف مهمة لها ما بعدها، فلا يمكن اجتياز أن الجنوب الذي يحاول وحيداً مواجهة الجماعات المتطرفة في نطاق جغرافيته يحتاج نظرة سياسية إقليمية قبل أن تكون دولية لمساندته في مهامه.
المسألة بالغة الحساسية، فهنا لا ينبغي تجاهل أن المنطقة كلها عند استحقاق واضح المعالم. القضاء على «تنظيم القاعدة في اليمن» مرهون بمدى الإرادة السياسية لقطيعة بين دعم قيام كيان سياسي لديه الفرصة لتكوين نظام وطني خالٍ من الفكر الأيديولوجي الديني في الجنوب، وبين أن تكون هذه المساحة ممتدة من صعدة إلى المُهرة أرضاً تتحرك فيها الجماعات المتشددة عقائدياً.
لا مناص للإقليم والمجتمع الدولي من أن يتبنى دعماً كاملاً للمجلس الانتقالي الجنوبي، ليستكمل بناءه الوطني، فالقضاء على «تنظيم القاعدة» يتطلب استكمال البنية الاستخباراتية والأمنية، وهذه قواعد أساسية لا يمكن وجودها بغير الكيان السياسي المكتمل. الضرورة تقتضي إجراءات عملية، النجاح في القضاء على «تنظيم القاعدة» في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، سيمثل إنجازاً تاريخياً لجهود العالم العربي وسيؤكد للعالم مدى جدية شعوب هذه المنطقة في تجفيف منابع الإرهاب.
الجمرة يمكن بالفعل إطفاءها إلى الأبد، فلم تكن هناك «قاعدة» و«داعش» عندما كان للجنوب دولة وطنية امتدت من 1967 وحتى 1990. وآن الأوان لتعود وتقوم بدورها في حماية الأمن القومي العربي في باب المندب والبحر العربي، فهكذا كانت المهمة ويمكن أن تكون اليوم وغداً وبعد غد.
*كاتب يمني