سعدتُ بالمشاركة في فعاليات المنتدى العالمي الثالث لثقافة السلام الذي أقامته مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية تحت عنوان «السلام العادل من أجل التنمية»، وذلك بحضور صفوة من المفكرين والشخصيات من مختلف أنحاء العالم. وقد أكد المشاركون جميعاً أن السلام العادل يحتاج إلى تنمية سياسية حقيقية، وإرادة معاصرة، وتسخير التقنية الحديثة في خدمة الجمهور العام، وأن رأس الحربة في السلام العادل هو التعليم النوعي المستنير الذي يتوجب أن يكون مسايراً للعصر واحتياجاته. وشددت التوصيات المنبثقة عن المؤتمر على أن الثقافة لها دور محوري في ظلّ الأجواء السائدة اليوم والتي يغشاها تضليل للرأي العام والزج به في صراعات تفتت المجتمعات، وتحرّض على التعصب والكراهية ووليدهما التطرف والعنف؛ لذلك ينبغي الحض على ثقافة منفتحة ومتسامحة تتقبل الآخرَ وتؤمن بالحوار.
وفي جلسة خاصة تم تكريسها للحديث حول المرحوم عبدالعزيز سعود البابطين الذي رحل عن عالمنا منذ أشهر معدودات، وهو مؤسس ورائد مؤسسة البابطين التي بدأت عملها منذ عقود إلى أن أصبحت مثالاً ونبراساً يستضيء به الخاص والعام، تناولتُ الكلام وقلتُ شهادة في حق الراحل الذي ستظل شخصيته ضوءاً في عتمة ليالي الواقع، ملهمةً للكثيرين، موحيةً بالكثير؛ لأنها معدن لا ينفد بعد مع طول أمد الاستمداد، ومنبع لا ينضب على كثرة الاستسقاء والارتواء، ومنار استوى في الاستمتاع بإشعاعه الصغير والكبير من مرتادي حاله وأكنافه، والأصفياء من ملازميه وأصحابه، في بأسائه وسرائه وضرائه، ولقد أحس الجميع يوم نعاه إلينا الناعي بأن العالم العربي بأسره فقدَ، باختفاء عبدالعزيز سعود البابطين، رحمه الله تعالى، والتحاقه بالرفيق الأعلى، أحدَ أبناء الوطن الكبير الذين أسدوا إلى أمتهم أعز وأنفس ما يسديه ابن بار، وضغطوا على التاريخ ورسموا على مسيله ومجراه طابع التأثير الذي يحدث التغيير، وينتهي به المطاف إلى التبديل والتحويل. لقد طواه الردى عنا والأمل معقود بامتداد حبل حياته الفكرية والأدبية، وحاجة الوطن ما زالت ماسة إلى وجيه رأيه وصائب نظره وجميل تأتّيه، وحميد مسلكه ورفيع مسعاه.. إلخ.
سعدتُ بمصاحبة هذا الرجل في المغرب، وفي أنحاء كثيرة من دول المعمور، وتشرفت باستقباله عندي في البيت في مدينة فاس التي كان يعشقها، وتشرفتُ بترشيحه للجائزة المتوسطية للفكر والسلام التي فاز بها في مدينة نابولي الإيطالية، وشاركتُ معه في العديد من الملتقيات الدولية التي نظمها، ولا أتذكر يوماً أننا طرقنا بابَه لمواكبة بعض أعمال الخير إلا واستجاب لها دون تردد.
لقد قضى عبدالعزيز سعود البابطين حياته، رحمه الله، ناسكاً في محراب العلم والشعر والعطاء، وفي خدمة الثقافة والأدب ورعاية الإبداع الشعري في العالم العربي، وكان رئيس مجلس أمناء مؤسّسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافيّة، ورئيس مجلس أعضاء مؤسّسة البابطين الثقافيّة بالاتّحاد الأوروبي. كما كان عضواً في العديد من المجالس والجمعيّات والروابط الناشطة في مجالات متعددة، وله العديد من الدواوين والمنجزات الفكرية والتنموية.. وكان مؤمناً بالسلام العادل من أجل التنمية.
*أكاديمي مغربي