من يدفع فاتورة إنقاذ الأمازون؟
من الصعب تجاهل الدمار الذي لحق بمنطقة الأمازون، فقد بدت صور حرائق الغابات المشتعلة في الغابات المطيرة قبل أربع سنوات وكأنها نذير وشيك بهلاك الكوكب. وأثار الجفاف الشديد الذي حدث العام الماضي، والذي حول الأنهار التي كانت قوية ذات يوم إلى قشور محفورة في التراب، شبح تحول أحد أكبر مصارف الكربون على الأرض من غابات كثيفة خضراء إلى سافانا. سيستغرق الأمر الكثير من الاستثمار لتغيير هذا الاتجاه. وكما أشار رئيس البرازيل «لويز إيناسيو لولا دا سيلفا»، قبل انعقاد قمة الأمم المتحدة للمناخ في دبي في نوفمبر: «لابد أن يكون هناك حجم من الموارد ربما لم يتم اقتراحه على الإطلاق حتى اليوم».
وأشار «تيموثي سيرشينجر»، الباحث في جامعة برينستون والخبير في شؤون الغابات في معهد الموارد العالمية، إلى أن التغيير في استخدام الأراضي في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك إزالة الغابات، يضيف ما يصل إلى 5 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون المنبعثة إلى الغلاف الجوي سنوياً. وتطلق البرازيل وحدها أكثر من 600 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً نتيجة استغلال غاباتها.
وحتى بتكلفة معقولة إلى حد ما، والتي تبلغ عشرة دولارات للطن لتعويض مزارعي البرازيل عن الحفاظ على الغابات المطيرة، واستعادة الأراضي المتدهورة، ومراقبة الغابات وتطوير نماذج جديدة للزراعة المستدامة، فإن هذه التكاليف ستبلغ ستة مليارات دولار سنوياً. وقد تم تخصيص حوالي 1.7 مليار دولار فقط لتغطية تكاليف منع إزالة الغابات وتدهور منطقة الأمازون، ومعظمها من النرويج، عبر صندوق الأمازون الذي أنشأته الحكومة البرازيلية في عام 2008.
وقد وفر هذا التعويض لنحو 300 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون التي تم منعها من دخول الغلاف الجوي - أقل من 5% من 6.4 مليار طن من الانبعاثات التي تم تجنبها بين عامي 2005 و2012، وهي الفترة التي تمكنت خلالها البرازيل من الحد من إزالة الغابات في منطقة الأمازون بنحو 80%. ويتعين تخصيص المزيد من الأموال، والتي تأتي من أصدقاء «جريتا ثونبرج» (الناشطة السويدية) أو الحكومات المستنيرة مثل حكومة النرويج (التي تدفع ثمن إيثارها البيئي من الضرائب المفروضة على قطاعها النفطي الضخم).
بالأحرى، فإن الحصول على التمويل بالحجم اللازم سيتطلب مساهمات من الشركات، بما في ذلك شركات النفط التي تدرك أن الحفاظ على الغابات المطيرة يشكل وسيلة فعّالة من حيث التكلفة لمكافحة تغير المناخ. ومع ذلك، فإن تخصيص رأس المال لجهود منع إزالة الغابات يتطلب التغلب على قوتين: معارضة اليمين السياسي للشركات التي تكرس اهتمامها أو أموالها للتحديات المجتمعية مثل تغير المناخ، وربما الأهم من ذلك، العداء من اليسار السياسي نحو استخدام أدوات الرأسمالية لحل المشكلات. وفي البرازيل تعمل حكومات الولايات في جميع أنحاء منطقة الأمازون بشجاعة وبلا كلل لجذب الأموال الخاصة. وبحلول الصيف المقبل، من المقرر أن تصدر ولاية «توكانتينز» الدفعة الأولى من أرصدة الكربون بموجب برنامج التحقق التابع للأمم المتحدة المعروف باسم «المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها (المبادرة المعززة)» (REDD+).
وسيتم شراء هذه الاعتمادات من قبل شركة تجارة النفط السويسرية «ميركوريا». وأشار «دان نيبستاد»، عالِم البيئة الاستوائية المتخصص في منطقة الأمازون والذي يدير «معهد ابتكار الأرض»، إلى أن عدداً من الولايات في منطقة الأمازون تصطف خلف ولاية توكانتينز.
من المفترض أن يكون لدى ولاية «بارا» أرصدة لبيعها في أوائل عام 2025، تليها ولايات «ماتو جروسو» و«أكري»، ثم «أمازوناس» و«ماتو جروسو دو سول». وأضاف: «هناك قدر كبير من الاعتمادات القادمة في الطريق». ولكن حتى في الوقت الذي تسعى فيه حكومات الولايات في جميع أنحاء البرازيل إلى إنشاء البنية التحتية لمراقبة استغلال الغابة، فإن علامة استفهام كبيرة تلوح في الأفق حول آلية التعويض. يتساءل نيبستاد: «هل سيكون هناك مشترون؟». اكتسبت أسواق الكربون الطوعية سمعة سيئة خلال العام الماضي. وخلصت العديد من الدراسات إلى أن العديد من المشاريع كانت تحجز فوائد وهمية، مما يعني ضمناً أن أرصدة الكربون مضيعة للوقت.
وقد غذّى هذا النقد سرداً من اليسار، حيث تلعب أرصدة الكربون دور الدية - وهي وسيلة تدفع الرأسمالية من خلالها الأموال لإلحاق الضرر بالبيئة. كان رد فعل السوق سريعاً على تشاؤم الناشطين. وانخفض الاهتمام بدفع أرصدة الكربون الناتجة عن الحفاظ على البيئة. وتم إصدار اعتمادات تغطي 63 مليون طن فقط من ثاني أكسيد الكربون في الأسواق الطوعية في الأشهر الـ 11 الأولى من عام 2023، انخفاضاً من اعتمادات بقيمة 93 مليون طن في 2022 و160 مليوناً في 2021. ويأمل نيبستاد وآخرون أن تعمل البنية المؤسسية الجديدة على تهدئة مخاوف المستثمرين. ويشيرون إلى أن اعتمادات المبادرة المعززة تختلف تماماً عن تلك الموجودة في السوق الطوعية، والتي يتم إصدارها من قبل الولايات أو البلدان وتخضع لرقابة الحكومة.
قد يزعم أنصار حماية البيئة أنه من الممكن إنقاذ منطقة الأمازون دون ضخ أموال الشركات. والواقع أنه خلال فترة ولاية الرئيس «لولا» الأولى في منصبه، من عام 2003 إلى عام 2010، نجحت البرازيل في الحد من إزالة الغابات دون أي أموال أجنبية تقريباً في الأغلب من خلال تنظيمات وعقوبات جديدة. ولكن من الصعب الحفاظ على الإرادة السياسية في غياب المكافآت. وبمجرد تباطؤ الاقتصاد البرازيلي، عادت عملية إزالة الغابات مرة أخرى. ومن عام 2012 إلى عام 2021، تضاعف ثلاث مرات تقريباً، ليعود إلى معدلات لم نشهدها منذ عام 2006.
* كاتب متخصص في شؤون أميركا اللاتينية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»