قد لا يكون من المستغرب أن تحرص الحكومات- والناخبون- عبر أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي على تبني سياسات القبضة الحديدية ضد الجريمة. غير أنهم يوماً ما سيندمون على هذا الاختيار على الأرجح. والواقع أن المنطقة غارقة في العنف. ففي 2022، عانت هندوراس 35 جريمة قتل لكل 100 ألف شخص، وفقاً لأحدث تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. كما ارتفع معدل جرائم القتل في جامايكا إلى أكثر من 53 لكل 100 ألف شخص، وبلغ 27 في الإكوادور، و26 في المكسيك، و25 في كولومبيا.
ويشار هنا إلى أن المعدل العالمي هو أقل من 6. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن أي شيء أعلى من 10 يعتبر «عنفاً متفشياً». وقد شكّلت الجريمة المنظمة نصف هذه الوفيات على الأقل. وعندما تمكنت حكومة «ناييب بوكيلي» من خفض معدل جرائم القتل في السلفادور إلى 7.8، بعد أن كان المعدل هو 106.8 في 2015، عبر إعلان حالة الطوارئ وسجن أي شخص يبدو عضواً في عصابة - في تجاهل تام للإجراءات القانونية وحقوق الإنسان - استشعر الحكام عبر المنطقة فرصة مواتية. فأعلنت الرئيسة «زيومارا كاسترو» في هندوراس حالة الطوارئ في 2022، وكذلك فعلت الإكوادور العام الماضي. بل إن حتى الشيلي، الخالية من الجريمة نسبياً، تبنّت قانون «الدفاع الشرعي» الذي يسهّل على ضباط الشرطة قتل الأشرار.
وفي الأرجنتين، التقت وزيرة الأمن العام في حكومة الرئيس الجديد خافيير مايلي الشهر الماضي مع نظيرها السلفادوري من أجل «تبادل الخبرات». وبالمناسبة، الناخبون السلفادوريون معجَبون بذلك، ويشجعون بوكيلي على الترشح مرة أخرى للرئاسة. إذ يُعد الرئيسَ الأعلى شعبية في استطلاعات الرأي منذ بداية التحول الديمقراطي في أميركا اللاتينية، وفقاً لـ«لاتينو باروميترو»، وهو استطلاع إقليمي للرأي العام. ومثلما أخذ شعب هندوراس يكتشف حالياً، فإن الأساليب القاسية غالباً ما تفشل في كبح الجريمة. وكما يشير تقرير الأمم المتحدة، فإن حالات الطوارئ والإجراءات القمعية قد تحدّ من العنف المميت الذي تمارسه العصابات، إلا أنه يمكنها أيضاً أن تؤدي إلى زيادته.
ففي هندوراس، مثلاً، أثبت قوة الشرطة الصغيرة التي تعاني نقص التمويل، عدم قدرتها على إحراز تقدم ضد العصابات الإجرامية. وبدلاً من أن يكبح العنفَ، أدى الضغطُ الذي تمارسه سلطات إنفاذ القانون عموماً إلى انتشار عنف العصابات إلى خارج البؤر التقليدية في سان بيدرو سولا والعاصمة تيغوسيغالبا. والواقع أن جاذبية سياسات بوكيلي ليست مفاجئة. فالأساليب الأقل عنفاً، مثل خطة «السلام الشامل» التي أتى بها رئيسُ كولومبيا غوستافو بيترو ومبادرة «العناق وليس الرصاص» التي عرضها رئيسُ المكسيك أندريس مانويل لوبيز أوبرادور على أعضاء العصابات، فشلت في كبح العنف في كولومبيا والمكسيك. ولكن ربما يجدر بزعماء أميركا اللاتينية استحضار حقيقة أن الجريمة المنظمة لا تؤدي دائماً إلى وفيات كثيرة، وأن معدل جرائم القتل منخفضٌ نسبياً في البلدان الواقعة على طول طريق تهريب الهيروين في البلقان في جنوب شرق أوروبا، وأن اليابان تتمتع بمعدل منخفض جدا على الرغم من انتشار أعضاء العصابات اليابانية «الياكوزا». والحقيقة أن العنف المميت غالباً ما يكون نتيجة للصراعات بين المجموعات الإجرامية المتنافسة على الأسواق والموارد. ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى أنه يميل إلى الانخفاض في الأماكن التي تستطيع فيها منظمة مهيمِنة فرض النظام، ولكن هذا يعني أيضاً أن تفكيك المنظمات الإجرامية يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع مستوى العنف جراء انقسام العصابات، وهو ما يفتح المجال للصراع بين الفصائل. ولعل هذا يساعد في تفسير العدد المتزايد من جرائم القتل في جامايكا، إذ تفيد بعض التقارير بأن عدد العصابات تضاعف بين 2010 و2019. كما يُعد انقسام عصابات المخدرات مسؤولاً إلى حد كبير عن استشراء العنف على مدى العقد الماضي في المكسيك.
*كاتب متخصص في أميركا اللاتينية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»