في أحد أبرز الإنجازات الطبية لعام 2023، وافقت إدارة الغذاء والدواء في شهر ديسمبر على أول علاج لتعديل الجينات بتقنية «كريسبر». ولكن ما ينبغي أن يكون سبباً للاحتفال - وهو علاج محتمل لمرض وراثي يؤثر في الغالب على الملايين من الفقراء في نيجيريا والهند وجمهورية الكونغو الديمقراطية، فضلاً عن الأشخاص الملونين في الولايات المتحدة - يأتي مع حسابات قاتمة للغاية بحيث لا يمكن إعلان النصر بعد.
ويستخدم العلاج، «كاسجيفي»، تكنولوجيا تعديل الجينات لعلاج الأشخاص المصابين بمرض فقر الدم المنجلي، وهو اضطراب دموي وراثي يصيب ما يقدر بنحو 100 ألف أميركي، معظمهم من أصل أفريقي. أما السعر فهو مذهل، 2.2 مليون دولار للشخص الواحد. وفي الوقت نفسه، يعيش 80% من الملايين الذين يعانون ويموتون بسبب مرض فقر الدم المنجلي في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، حيث لن يكون العلاج متاحاً لعقود من الزمن بسبب تكلفته ونقص البنية التحتية للمستشفيات لتقديم العلاج المعقد. وحتى في الولايات المتحدة، حيث العلاج أكثر سهولة من الناحية النظرية، فإن الأشخاص غير البيض هم الأكثر احتمالاً لعدم الاستفادة من التأمين الصحي أو الحصول على تأمين من برنامج المساعدة الطبية للفقراء (ميديسيد)، الذي قد لا يغطي تكاليف «كاسجيفي» الباهظة. كما يحدث مع العديد من التقنيات الطبية عند ظهورها لأول مرة، فإن العلاج باستخدام «كاسجيفي» من المرجح أن يعتمد على مدى ثراء المرضى أو فقرهم، وما إذا كان لديهم تأمين صحي، وما إذا كان التأمين يغطي العلاج المكلف - وقبل كل شيء، الفرصة العشوائية لمكان مولدهم. لكن لا يجب أن يكون الأمر على هذا النحو.
في الولايات المتحدة، أصبحنا نقبل التفاوت على المدى القصير باعتباره أحد الآثار الجانبية الضرورية للتقدم الطبي الحيوي: فمخاطر وتكاليف اختراع العلاج، وإجراء التجارب السريرية، والحصول على الموافقة التنظيمية مرتفعة، لذا فإن أسعار الأدوية الجديدة يجب أن تكون مرتفعة. وستكون مرتفعة أيضاً، إذا أرادت الشركات طرحها في السوق. نعم، عندما تنتهي براءات الاختراع، يظهر المنافسون وتنخفض الأسعار، ومن الممكن أن تصبح هذه الأدوية في نهاية المطاف أكثر سهولة في الوصول إليها. ولكن في الوقت نفسه فإن أفقر المرضى في العالم كثيراً ما يعانون ويموتون بلا داع. ومع انتشار فيروس نقص المناعة البشرية (إيدز)، أدت عقود من النشاط والسخاء الخيري والدعم العالمي إلى توسيع القدرة على الوصول إلى مضادات الفيروسات القهقرية (مضادات الفيروسات العكسية) المنقذة للحياة. لكن لا يزال من الصعب الحصول على العلاج في بعض الأماكن. وفي الأعوام التي تلت ذلك، منذ أن أصبحت هذه الأدوية متاحة لأول مرة للمؤمن عليهم في الولايات المتحدة، مات الملايين من الناس بسبب مرض الإيدز على الرغم من وجود الأدوية التي كان من الممكن أن تنقذهم.
ومع قيام المزيد من الباحثين بتطوير علاجات جينية، بما في ذلك تلك التي تعتمد على تقنية «كريسبر» لتحرير الجينات، فإن المزيد من العلاجات ستتكلف ملايين الدولارات وفي هذه العملية، ستؤدي إلى تفاقم التفاوتات بين من يعاني من المرض أو يتم شفاؤه، ومن يعيش على قيد الحياة، أو يموت. إن العلاج الواعد لمرض يصيب في المقام الأول الأشخاص ذوي الامتيازات الأقل يسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى إعادة التفكير في كيفية جلب الأدوية المبتكرة إلى السوق. لا يتعين علينا أن نقبل عدم المساواة التي حددت مسار التقدم الطبي الحيوي في الماضي. ولا ينبغي لنا ذلك.
تقول «ميليندا كليجمان»، مديرة التأثير العام في معهد علم الجينوم المبتكر في كاليفورنيا، إن أحد العوامل الرئيسية لارتفاع تكاليف العلاجات الجينية هو تكلفة رأس المال. وأشارت إلى أن أصحاب رأس المال المغامر الذين يستثمرون في العلاجات يبحثون عادة عن عوائد كبيرة، مما يجبر الشركات على فرض أسعار مرتفعة. وقد قام المعهد، بالتشاور مع مجموعة من 30 خبيراً، بدراسة ما يمكن أن يفعله نموذج برأس مال منخفض التكلفة لخفض أسعار العلاجات الجينية، على سبيل المثال أن يأتي التمويل من مزيج من المنح الحكومية والمؤسسات الخيرية والاستثمارات ذات التأثير الاجتماعي والمشاريع الخيرية. ووجدوا أن تكلفة علاج يعتمد على تقنية «كريسبر» مثل «كاسجيفي» يمكن أن تتقلص بشكل جيد إذا تم تمويلها من خلال نموذج عمل يجمع بين سمات الشركات غير الربحية وشركات المنفعة العامة التي يمكن أن تجتذب أنواعاً بديلة من الاستثمار.
تقول كليجمان: إن الترخيص الأكاديمي يعد نقطة قوة أخرى للحصول على علاجات طبية مبتكرة للأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها. وعندما يسمح العلماء والجامعات باستخدام ملكيتهم الفكرية من قبل الشركات التي تعمل على تطوير العلاجات الجينية، فمن الممكن أن يضعوا شروطاً تتطلب الوصول العادل لفقراء العالم.
وأنشأت كندا، بما لديها من نظام للرعاية الصحية يعتمد على جهة سداد واحدة، نموذجاً مبتكراً لخفض تكاليف علاجات السرطان الخلوي بشكل كبير. وبدلاً من الاعتماد على موقع مركزي، استثمرت الحكومة الكندية في بناء شبكة من المراكز الموزعة جغرافياً لتصنيع العلاجات في المستشفيات حيث يتواجد المرضى.
إن التقدم في مجال الطب الحيوي يشكل عملاً تجارياً كبيراً في الولايات المتحدة، وقد أفادت استثمارات الشركات الربحية وأصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية العديد من الناس من خلال تطوير أدوية وعلاجات جديدة. ولكن السماح للسوق بتحديد ما هو أفضل لرفاهية المجتمع لا يخلو من تكاليف باهظة. وكانت النتيجة هي الرعاية الصحية الأكثر تكلفة هنا مقارنة بالدول الأخرى.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»