إذا كان لي أن أتمنى أمنية واحدة في بداية العام الجديد 2024 فبكل تأكيد ستكون لها علاقة بالسلم والسلام والسعادة والأمان، وأن تكون البشرية كلها بخير، انطلاقاً من القواسم المشتركة التي تجمع كل الناس وما ترسيه من مبادئ رئيسية لتحقيق السلم الاجتماعي وتعزيز التعايش وبناء جسور الأسرة الإنسانية الواحدة والبيت المجتمعي المشترك.
وقد فهم الجميع أن الحوار بين الديانات السماوية تنبغي ترجمته إلى ممارسة حقيقية في واقع العلاقة بين المجتمعات والدول، إذ لا يخفى على كل المتتبع الحصيف أن العالم يعرف تحديات كثيرة، وهي تحديات من نوع جديد تستمد خطورتَها من التحول عن أهداف الرسالة الإلهية وتحريفها واستغلالها من جانب البعض. وهناك قناعة مشتركة حول ضرورة بناء عالم إنساني مشترك، لأن القيم التي ترتكز عليها الديانات التوحيدية تساهم في ترشيد النظام العالمي وتحسينه، وفي تحقيق المصالحة والتقارب بين مكونات الأسرة الإنسانية.
ولا جرم أن الديانات الثلاث هي أديان رحمة بالناس، وأنها تتضمن مبادئ إنسانية قادرة على إسعاد الإنسان وتحقيق آماله وحلّ مشكلاته. وكلنا مدعوون اليوم إلى إنفاذ هذه المبادئ وتحقيقها على أرض الواقع، وذلك بالتواصل مع الآخر أياً كان، لتأسيس عالم تسوده العدالة والسلم والتراحم، وفتح صفحة إيجابية في العلاقات الحضارية بين الأمم والشعوب على أسس من الاحترام المتبادل، والتعاون في إعمار الأرض، وتحقيق أمن الإنسان وكرامته.. فالتنوع الديني والثقافي في المجتمعات البشرية يستدعي تأسيس شراكات عادلة وإقامة تواصل إيجابي ضمن عقد اجتماعي يتوافق عليه الجميع، يستثمر تعدد الرؤى في إثراء الحياة المدنية والحضارية، وفي تحقيق تنمية شاملة. والحوار الهادف بين الجميع ضروري لتفهم الرسالة الحقيقية للدين بعد أن حاول التطرف اختطافَها وتزوير معاني نصوصها، مع التصدي لدعوات الكراهية والإقصاء والاستعلاء، وتخليص العالم من العنف والتطرف المضاد، وإقامة تحالفات مخلصة تعزز الفهم الصحيح للآخر، وتستثمر الشراكة معه في خير الإنسان.
أما بالنسبة للسعادة التي نتمناها للجميع، فالمشكلة ليست في المرجعيات ولا النصوص الدينية ولا القانونية.. وإنما في الإرادة، نعم إنها في الإرادة. ونحن نملك من النصوص الدينية السمحة ومن قواعد الوسطية والاعتدال ما يمكن أن نصبح به أسعد الأمم وأكثرها غبطة، لكن الإرادة الحقيقية في بعض الأحيان غير متمكنة من القلوب والعقول. عندما تريد دولة من الدول، بتعاون كل أفرادها، أن تنظر إلى ذاتها وإلى مستقبلها، مدفوعةً بروح الإيجابية والعقلانية الراشدة والتنويرية التي تتجاوز الصراعات العبثية والأسئلة الخاطئة والتوجهات الفاشلة والتقابلات العمياء، وعندما توازن بين الرؤية الثباتية والرؤية الحركية التي تشخص وتؤثر على الذات في نظرة تجمع بين التحليل والتركيب والنقد والإصلاح والمنهج والرؤية، لبناء أسرة سعيدة ومجتمع قوي ودولة مزدهرة.. فإنها تزرع السعادة في عقول الجميع بطريقة تنويرية تبعث الحياة في شرايين الجسم المجتمعي، وتجعل الأفراد يحسون بالرضا والغبطة والطمأنينة والبهجة.. إلخ. وكل عام وأنتم في ألف خير.
*أكاديمي مغربي