في سياق تعزيز تحقيق مستهدفات أبوظبي ورؤية دولة الإمارات فيما يتعلق بالتنمية المستدامة والتنويع الاقتصادي والحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئة، أعلن «المجلس الأعلى للشؤون المالية والاقتصادية»، بصفته السلطة العليا المسؤولة عن وضع السياسات والاستراتيجيات العامة للشؤون المالية والاستثمارية والاقتصادية وشؤون البترول والموارد الطبيعية لإمارة أبوظبي، في 29 نوفمبر 2023، إصدار «السياسة العامة للهيدروجين منخفض الكربون»، مع التركيز على إنشاء واحات للهيدروجين ومجمعات للكهرباء النظيفة لاستقطاب الاستثمارات ورفع الكفاءة التشغيلية، وإيجاد منظومة إدارية متميزة ضمن إطار حكومي وتنظيمي يدعم إنتاج الهيدروجين منخفض الكربون والصناعات المرتبطة به.
ومما لا شك فيه أن هذه الخطوة جاءت انسجاماً مع «استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050»، التي أطلقتها دولة الإمارات في 9 نوفمبر 2023، ودعماً لالتزام الإمارات بمستقبل أكثر استدامة، بحيث تلتزم الدولة بموجب هذه الاستراتيجية بخفض الانبعاثات بنسبة 40% بحلول عام 2030، و60 % بحلول 2040، وصولاً لصافي انبعاثات صفرية بحلول 2050. وتلعب المبادرات القطاعية دوراً حيوياً في هذا السياق، خاصة في قطاعات الطاقة والصناعة والنقل والزراعة والنفايات والبناء، من خلال أكثر من 25 برنامجاً سيتم تنفيذها في المدى القريب؛ وهو ما سيوفر نحو 200 ألف وظيفة، ويسهم في تحقيق 3% نمواً في الناتج الإجمالي، ويعزز الصادرات الوطنية.
وتشكّل استضافة الإمارات لـقمة المناخ «كوب28»، خلال الفترة من 30 نوفمبر وحتى 12 ديسمبر 2023 بمدينة إكسبو دبي، خُطوة نوعية في مستقبل الطاقة المُتجددة في دولة الإمارات والعالم؛ وهي تعكس في الوقت نفسه الدور الريادي للدولة في الملف المناخي؛ إذ تتمتع بالخبرة الفنية والقدرة الاقتصادية والإرادة السياسية لتصبح رائدة في مجال تحول الطاقة، وتعزز استثماراتها في الطاقة المتجددة الجهود العالمية في هذا المجال للمُضي قُدماً لتحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
ويعد توفير حلول تمويلية مُبتكرة كالسندات والصكوك الخضراء بمثابة ركيزة أساسية لجهود تعزيز الاستدامة، ومن الجدير بالذكر أن الإمارات قد قطعت شوطاً واسعاً في هذا الصدد عبر «إعلان أبوظبي للتمويل المستدام» و«إعلان دبي للتمويل المستدام»، و«إصدار الإطار الوطني للتمويل المستدام»، مع تسارع وتيرة إصدار الصكوك والسندات الخضراء، وإطلاق وزارة التغير المناخي والبيئة «تقرير تقييم برنامج السندات والصكوك الخضراء»، على هامش مشاركتها في أعمال مؤتمر «كوب 27» كأحد الأدوات الداعمة لنشر وتوسيع نطاق هذه الحلول.
وفي هذا السياق، أكدت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني استحواذ الإمارات على 19% من الصكوك المستدامة عالمياً، إذ بلغ حجم صكوك الـ«ESG» (البيئية والاجتماعية والحوكمة) القائمة بالإمارات 6.4 مليار دولار في نهاية الربع الثالث من عام 2023، وبزيادة 41% مقارنة بقيمتها بالربع الثاني للعام نفسه، وبلغت قيمة إصدارات صكوك الـ«ESG» في الإمارات في الربع الثالث من 2023 نحو 1.8 مليار دولار تعادل 80% من نسبة إصداراتها عالمياً في الفترة نفسها. وقد توسعت مؤخراً شركات وبنوك إماراتية في إصدار الصكوك الخضراء، ومن أبرزها شركات «الدار العقارية» و«ماجد الفطيم» و«مصدر» و«طاقة» و«مبادلة للاستثمار» و«موانئ دبي العالمية»، وبنوك «دبي التجاري» و«أبوظبي الأول» و«أبوظبي التجاري» و«الإمارات دبي الوطني».
ومن الجدير بالذكر أن دولة الإمارات قد جاءت في المركز الثاني عالمياً في «مؤشر المستقبل الأخضر العالمي 2023» فيما يتعلق بتحوّل الطاقة، لتتقدم بذلك ثمانية مراكز عن عام 2022؛ ما يعكس التحول الهائل الذي شهدته الدولة في قطاع الطاقة خلال العقود الأخيرة، لكونها من الدول الرائدة عالمياً في استخدام التكنولوجيا الحديثة في هذا المجال، إدراكاً منها لأهمية الطاقة النظيفة والمُتجددة كركيزة أساسية للنمو الاقتصادي المُستدام.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية