الحرب بشعة في كل أحوالها ومؤلمة وقاهرة دائماً، لاسيما إذا كان وقودها شعباً أعزل لا ذنب له، ومدنيين يتلقون الضربات والتهجير ويدفعون ضريبة الحرب بنقص المؤن وانعدام أدنى مقومات الحياة من ماء وكهرباء وغذاء وفقدان الأهل والأحبة.. فهل التكافؤ العسكري والقدرة الحربية مسوغين بأي وجه من الوجوه لقيام حرب مدمرة؟ بالطبع لا، لكن قراءة المشهد العسكري اليوم تحتم التذكير بالقدرات اللوجستية والعسكرية لأحد أطراف النزاع الدائر بين دولة إسرائيل وفصائل فلسطينية في قلب مدينة غزة المنكوبة بعد عملية «طوفان الأقصى» التي شنتها تلك الفصائل على إسرائيل يوم 7 أكتوبر الجاري.
من المبكر جداً استبصار المشهد لِما بعد الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، لكن القدرات الحربية الإسرائيلية والدعم اللوجيستي الغربي لإسرائيل تفرض علينا توقع الأسوأ على الجانب الآخر، فالجيش الإسرائيلي يحارب بعقيدة دولة وكيان مستمر في تغوله داخل الأراضي الفلسطينية والتهام المزيد من أراضيها، فيما تحارب الفصائل الفلسطينية بعتاد أقل سوف ينفد يوماً ما وقوة أدنى ودعم بمحركات قوى أبعد ما تكون عن استرداد الأرض وإقامة دولة، سواء قبلنا ذلك أم رفضناه، فهذا هو واقع الحال. ومع ذلك فالاستشراف لما ستؤول إليه الأمور ضبابي وغير واضح في ظل هذا الحشد العسكري الضخم من الجانب الإسرائيلي، واستناداً لمؤشرات الواقع والأحداث المأساوية في غزة بعد أن دُكت أحياءٌ بأكملها وهُجر أكثر من مليون فلسطيني في وقت لم تبدأ فيه إسرائيلُ حربَها البريةَ بعد!
ومن ناحية الحشد العسكري لدولة إسرائيل فالأمر لا يتوقف على القوة التسليحية والصناعة العسكرية المتطورة والفتاكة فحسب، بل يتعداه إلى الدعم الأميركي اللافت في هذه الحرب، بدءاً بإرسال حاملة الطائرات «جيرالد فورد»، ثم إضافة الحاملة الأخرى «يو إس إس دوايت دي أيزنهاور» إليها. و«جيرالد فورد» تُعد الأحدثَ والأكثرَ تَطوراً على مستوى العالم، حيث لا توجد قوة عسكرية فتاكة في العالم أكثر منها. فهذه السفينة تستطيع الإبحار 20 سنة داخل البحر دون وقود لأن آلية تشغيلها تعتمد على الدفع النووي وعلى طاقم عمل يتراوح عدده بين 4400 و5000 جندي، ويبلغ وزنها 100 ألف طن بسعة استيعابية تصل أكثر من 75 طائرةً حربيةً من فئة «أف 16» و«أف 15» و«أف 35» و«A10» وطرادات ومدمرات صواريخ. ولا تقل عنها الحاملة «أيزنهاور»، التي تم تشغيلها في عام 1977، فتكاً وحمولة وتقنية، إذ أنها هي أيضاً مزودة بأنظمة رادار متقدمة ومضادة للطائرات والكشف. وهذا بخلاف الأسرار العسكرية التي لم يكشف عنها بعد، وقد تكون مفاجئة في أوانها، مع إمكانية استخدام معدات حربية من المستودعات التي تخزن الذخائر الأميركية في إسرائيل والتي تخضع لاتفاق ضمني قديم بين الجانبين، والمخصصة لأوقات الطوارئ إذا واجهت إسرائيل هجوماً كبيراً مثل حرب عام 1973، وهذا لا شك أمر يجب عدم تجاهله عند استعراض الحشد العسكري الإسرائيلي الحالي.
نأمل أن تتكلل المساعي الدبلوماسية المتناغمة عربياً، والمبذولة بشكل متواصل، بالنجاح لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني ووقف العمليات العسكرية والتهجير القسري ونقص الإمدادات المعيشية، وأن يعود إلى أرضه ويكسب قضيته العادلة بإقامة دولة مستقلة على حدود 67 كما نص قرار مجلس الأمن رقم 242 والذي تم إقراره بعد حرب 1967.
*كاتبة سعودية