الجنوب العالمي في دائرة الضوء
باستثناء عدم حضور الصين وروسيا في قمة العشرين، التي اختتمت في نيودلهي في 10 سبتمبر 2023، قامت الهند بدعوة مجموعة متنوعة من الدول للمشاركة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وعُمان ومصر وسنغافورة وبنغلاديش ونيجيريا وباكستان وموريشيوس.
تميزت قمة مجموعة العشرين هذا العام بأنها نُظمت في الهند، وسبقتها إندونيسيا، وستُنظمها البرازيل في عام 2024. اللافت أن جميع هذه الدول تنتمي إلى الجنوب العالمي، وهذا يُمثل لحظة تاريخية بحد ذاتها. يُعبّر شعار القمة الذي يوصف بـ «أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد» عن التزام الهند بتعزيز التعاون الدولي، ومع ذلك، هناك ما يشير إلى استمرار العقلية الاختزالية التي تواصل رؤية العالم من خلال عدسة المنافسة بدلاً من عدسة التعاون.
على الرغم من مشاركة المنظمات الدولية الرئيسية بنشاط في قمة مجموعة العشرين، كما كان الحال في القمم السابقة، قامت الهند بصفتها رئيسة القمة بدعوة رؤساء المنظمات الإقليمية أيضاً، وتشمل هذه المنظمات الاتحاد الأفريقي، والوكالة الأسترالية للتنمية في نيباد، ورابطة أمم جنوب شرق آسيا. هذه التطورات تشير إلى تغيير كبير، حيث لا تعد الدول في أفريقيا والشرق الأوسط مجرد متلقين للسياسات والأجندات التي تفرضها القوى العظمى على العالم، بل أصبحت هذه الدول الآن تشارك بفاعلية وتتخذ إجراءات مستقلة.
ونظراً لتعقيد التحديات العالمية التي تواجهنا، فإن هذا التحول قد يؤدي إلى تغيير جوهري في قواعد النظام العالمي من خلال تحوله إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب. من غير الواقعي انتظار حل شامل لجميع الخلافات القائمة خلال هذه القمم، خاصة مع استمرار القضايا المثيرة للانقسام بشكل ملحوظ، مثل تصاعد الصراع في أوكرانيا.
ومع ذلك تظهر تطورات مهمة كالممر التجاري الذي تم الكشف عنه في إطار مجموعة العشرين يمكن تفسيره كانتصار للولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، هناك محللون يُشيرون إلى أن مجموعة العشرين تتطلع إلى تشكيل كتل موازية بهدف المنافسة مع مجموعة البريكس، التي قامت مؤخراً بتوسيع عضويتها لتشمل ست دول إضافية، وهي الإمارات والسعودية وإثيوبيا ومصر وإيران والأرجنتين، إلى جانب أعضائها الأصليين الخمسة. بعد مضي عقود على انتهاء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، شهد العالم تحولاً سياسياً واقتصادياً جذرياً، خصوصاً فيما يتعلق بالبلدان الواقعة في الشرق الأوسط والجنوب العالمي، حيث ابتعدت عن الميول إلى معسكر أيديولوجي معين وبدأت تفضل أن تكون جزءاً من نظام عالمي متعدد الأقطاب.
قمة مجموعة العشرين تعكس هذا التحول في منظومة الحوكمة العالمية، حيث يتزايد قبول التعاون على الصعيدين الإقليمي والدولي. ومع ذلك، فإن وجود نماذج متنافسة يُذكِّرنا بالطبيعة المعقدة والديناميكية للعلاقات الدولية.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي