الذكاء الاصطناعي ومستقبل التعليم والتعلُّم
مع بداية العام الدراسي، تثير التقنيات وبخاصة الذكاء الاصطناعي تساؤلات حول تأثيرها على التعليم. هناك تفاوت في الآراء، فبعض المتفائلين يرى أن التعليم سينتقل من التقليدي إلى أساليب حديثة يستفيد منها الطلبة والمعلمون.
لكن التحول الضخم يثير قلقاً في المؤسسات التعليمية، حيث تتطلب التكنولوجيا السريعة دعمًا واستراتيجيات للتكيف والمحافظة على الاتصال بالعالم الرقمي، لتجنب فوضى التعليم والتحيز وانعدام الأخلاقيات التعليمية ولضمان تقدم التعليم بدلاً من تبسيطه.
ونظرًا لأهمية هذا الموضوع وللجدل الدائر حول مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على استبدال أعضاء هيئة التدريس والمؤسسات التعليمية، أصدرت منظمة اليونسكو تقريرًا حول تأثير الذكاء الاصطناعي على التعليم في عام 2019. وقد اعتمد هذا التقرير بواسطة ممثلي الدول الأعضاء والمنظمات الدولية والمؤسسات الأكاديمية والمجتمع المدني والقطاع الخاص بناءً على توافق الآراء، المعروف بـ«إجماع بكين».
ومن أبرز المضامين التي اشتملت عليها الوثيقة لتحقيق هدف «التعليم الجيد» في التعاون الفعّال بين الإنسان والآلة: الذكاء الاصطناعي لإدارة التعليم وتقييمه، والذكاء الاصطناعي لتمكين المعلمين لتحسين عمليات التدريس، والذكاء الاصطناعي لتقييم التعلم والتعليم، وتنمية القيم والمهارات اللازمة في عصر الذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي لتقديم فرص التعلم مدى الحياة للجميع. استنادًا إلى هذه الوثيقة، يتبين أن الذكاء الاصطناعي ليس هدفه استبدال الذكاء البشري، بل يعمل كشريك تعاوني. المعلمون لا يُستبدلون بل يدعمهم الذكاء الاصطناعي في تقليل الأعباء الإدارية مثل تصحيح الامتحانات، مما يمنحهم المزيد من الوقت للتفاعل مع الطلبة.
كذلك يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تطوير المناهج الدراسية وإنتاج المواد التعليمية بشكل أكثر فعالية وسرعة مما كان ممكنًا في الماضي. بالإضافة إلى ذلك، يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين الموارد التعليمية عبر منصات الإنترنت وتطبيقات التعليم، حيث يقدم شروحاً مخصصة واختبارات تقييمية لتعزيز أداء الطلبة وتحسين درجاتهم، مما يتيح تخصيص المواد التعليمية وفقًا لاحتياجات الطلبة واهتماماتهم. على الرغم من المزايا، هناك تحديات في تطبيق الذكاء الاصطناعي في التعليم بالدول العربية. تتضمن التحديات نقص البنية التحتية الرقمية، واحتياج الفصول والمنازل لأجهزة وإنترنت سريع، وصعوبة تبني المعلمين والأهل للتعليم الجديد.
أيضاً، توجد ضرورة لتعريب البرامج وجذب مبرمجين عرب لتجنب تهميش اللغة العربية في تحديث التعليم. «مبادرة مليون مبرمج عربي»، التي دعمها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تعد خطوة إيجابية، لكنها تتطلب جهدا لتنفيذها بنجاح.
كذلك قد يؤدي الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي إلى تسهيل الدراسة دون تحديات مما يحتم على المدرسين توجيه التعليم بشكل مستفيض لتنمية قدرات الطلبة. وبغض النظر عن القلق من السلبيات المحتملة، يجب أن نستقبل الذكاء الاصطناعي بتفاؤل في مجالات التعليم والتعلُّم، حيث يهدف إلى تحقيق التقدم للمؤسسات التعليمية. فالذكاء الاصطناعي يعمل بالتعاون معنا ولا يتنافس ضدنا، بل يعزز الأداء في بيئة تعليمية تتطلب إشرافنا وتوجيهنا.
* باحثة سعودية في الإعلام السياسي