أزمة التغير المناخي وخطر المجاعة
تناولنا في المقال السابق أزمة التغير المناخي وتأثير تراكم الغازات الدفيئة على الاحتباس الحراري بجانب اقتلاع الغابات وتجريف الأراضي الزراعة.. وكلها مسببات للكوارث الزراعية وفقدان بعض المحاصيل، وندرة المياه، وحدوث موجات جفاف وتصحر مساحات كبيرة من الأرض، مما يؤدي إلى اختناق الأراضي الخصبة سابقاً.
ومن الجلي أن ارتفاع درجة حرارة الأرض ليس المحصلة المباشرة الأخيرة والخطيرة لأزمة التغير المناخي، بل هناك أزمة أكبر تواجه الجنس البشري بشكل عام ألا وهي المجاعة. فمما لا ريب فيه أن تغير المناخ له تأثير مباشر وخطير على صحة الإنسان وقدرته على زراعة المحاصيل الغذائية. فالتغير المناخي سبب لمجاعة العائلات والماشية، ولذا فإن الفئات السكانية الأكثر هشاشةً في العالم هي الأكثر تضرراً من التغير المناخي.
والمقصود هنا أن أصحاب البصمة البيئية الأصغر، وهم غالباً من صغار المزارعين ومن سكان المجتمعات الفقيرة، هم الأكثر تأثراً بالتغيرات المتطرفة الناتجة عن التغير المناخي. وتشير بعض التقارير إلى وجود ما يقارب 80% من الجوعى في العالم في مناطق معرضة للكوارث الطبيعية والطقس القاسي، مما يخلق الظروف المناسبة لاستمرار الجوع. ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، فإن 80% من الأسباب الكامنة وراء عدم القدرة على التنبؤ بحصاد محاصيل الحبوب في مناطق مثل منطقة الساحل الأفريقي ترجع إلى التقلبات المناخية.
أضف إلى ذلك أن ارتفاع مستوى سطح البحر يُشكل تهديداً آخر للأمن الغذائي في مناطق أخرى مثل بنغلاديش وفيتنام، إذ غالباً ما تغمر المياهُ المالحةُ الأراضي الزراعيةَ الساحليةَ، مما يدمر محاصيل الأرز.
وبالتالي فإن تغير المناخ يُعد سبباً رئيسياً للجوع، ويحتل المرتبة الثانية بعد الصراعات العنيفة، وذلك وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي، إذ تهدد أزمة المناخ المتفاقمة بإدخال ملايين الأشخاص في حالة من انعدام الأمن الغذائي. ومثال ذلك منطقة شرق أفريقيا، حيث ساعد تغير المناخ على تزايد الجفاف المدمر الذي عصف بالسكان الذين يعانون من تداعيات الأوبئة والصراعات الطويلة، إذ نفق ما يقارب ثلاثة ملايين رأس من الماشية بينما تَلفت الكثير من المحاصيل. وتشير التقديرات إلى وفاة شخص كل 48 ثانية بسبب الجوع في منطقة شرق أفريقيا، وذلك وفقاً لتقارير صادرة عن بعض المنظمات الدولية.
ويُشير تقرير نشره المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية إلى أنه بحلول عام 2030 سوف يصبح تأثير المناخ على الجوع العالمي تأثيراً هائلاً وخطيراً. وقد يرتفع عدد الأشخاص المعرَّضين لخطر الجوع في الهند، على سبيل المثال، بنسبة 23 في المائة، وذلك بسبب أزمة المناخ وتداعياتها.
ومن أبرز توابع المجاعة الناتجة عن أزمة التغير المناخي نزوح الناس بعيداً عن مناطقهم الأصلية، وذلك نتيجةً لعدم صلاحية البيئة للعيش بسبب جفاف الحقول الزراعية وتجريف المنازل وتزايد الفيضانات والأعاصير. وتشير التقارير إلى أن الأحداث المناخية المتطرفة أدت في عام 2020 وحده إلى نزوح 30 مليون شخص، أي ضعف عدد النازحين جراء العنف أو الصراع ثلاث مرات.
وبالرغم من وضوح نتائج تزايد التغير المناخي على أزمة الغذاء والجوع العالمي، فإن العمل الجماعي العالمي، وتحديداً في مجال الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، ما زال دون المتوقع بمراحل، الأمر الذي يٌهدد البشرية جمعاء ويؤجج الصراعات المسلحة في العديد من مناطق العالم نتيجة للتنافس على مصادر الغذاء.
*باحث إماراتي